العنيدة، وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتوانى في استخدام القوة حين يرى أن النصح لا يجدي نفعا لمن يريد العبث بالأمن وإثارة الإضطرابات وعدم احترام المواثيق، فلم يحركوا ساكنا لقتل طاغيتهم، بل لزموا الهدوء، وتظاهروا بإيفاء العهود، واستكانوا، وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها.
وهكذا تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى حين- لمواجهة الأخطار التي كان يتوقع حدوثها خارج المدينة، وأصبح المسلمون وقد تخفف عنهم كثير من المتاعب الداخلية التي كانوا يتوجسونها، ويشمون رائحتها بين آونة وأخرى.
غزوة بحران
وهي دورية قتال كبيرة، قوامها ثلاثمائة مقاتل، قادها الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الآخر سنة 3 هـ إلى أرض يقال لها بحران- وهي معدن بالحجاز في ناحية نزع- فأقام بها شهر ربيع الآخر ثم جمادى الأولى (من السنة الثالثة من الهجرة) ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حربا [1] .
سرية زيد بن حارثة
وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل أحد، وقعت في جمادى الآخرة سنة 3 هـ.
وتفصيلها أن قريشا بقيت بعد بدر يساورها القلق والإضطراب، وجاء الصيف واقترب موسم رحلتها إلى الشام، فأخذها همّ آخر.
قال صفوان بن أمية لقريش- وهو الذي انتخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام-: إن محمدا وصحبه عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا، فلم يكن لها من بقاء. وإنما حياتنا [1] ابن هشام 2/ 50، 51، وزاد المعاد 2/ 91، واختلفت المصادر في تعيين سبب هذه الغزوة فقيل: إن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني سليم يحشدون قوات كبيرة لغزو المدينة أو أطرافها، وقيل: بل خرج يريد قريشا، وهذا الثاني هو الذي ذكره ابن هشام واختاره ابن القيم- حتى لم يذكر الأول رأسا- وهو الموجه، وذلك لأن ديار بني سليم لم تكن بناحية الفرع، وإنما هي في نجد بعيدة عن ناحية الفرع.