responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير نویسنده : ابن عبد البر    جلد : 1  صفحه : 170
سلمَان منا، وَقَالَت الْأَنْصَار: سلمَان منا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ" *.
وَعمل الْمُسلمُونَ فِي الخَنْدَق مجتهدين، ونكص المُنَافِقُونَ، وَجعلُوا يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا[1]. فَنزلت فيهم آيَات من الْقُرْآن ذكرهَا ابْن إِسْحَاق وَغَيره. وَكَانَ من فرغ من الْمُسلمين من حِصَّته عَاد إِلَى غَيره فأعانه حَتَّى كمل الخَنْدَق. وَكَانَ فِيهِ آيَات بَيِّنَات وعلامات للنبوات مذكورات عِنْد أهل السّير والْآثَار، وَمِنْهَا أَن كدية[2] اعتاصت على الْمُسلمين، فدعوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، فضربها بالفأس ضَرْبَة طَار مِنْهَا الشرار وَقطع مِنْهَا الثُّلُث، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ قَيْصَرُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْحُمْرَ". ثمَّ ضرب الثَّانِيَة فَقطع مِنْهَا الثُّلُث الثَّانِي، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ كِسْرَى، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْبِيضَ". ثمَّ ضرب الثَّالِثَة فَقطع الثُّلُث الْبَاقِي، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ الْيَمَنُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى بَابَ صَنْعَاءَ" [3]. وَقد نصر اللَّه عَبده وَصدق وعده، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.

= سنة الْأَنْبِيَاء فِي مثل ذَلِك. وَجَاء فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق} أَن كَانُوا اقتسموا الْأَعْمَال من احتطاب واحتشاش ورعي وحراسة، فَهُوَ معنى الاستباق. وَهِي أَيْضا عَادَة الْمُسلمين فِي حفر الْخَنَادِق وَشرط ذَلِك السَّلامَة من التنافس والتحاسد والتعيير. وَلِهَذَا من فرغ "من" حِصَّته قبل صَاحبه أعَان من لم يفرغ بِلَا تنقيص وَلَا تَعْبِير. وَالله أعلم.
* قلت: مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ النصب على الِاخْتِصَاص "أَي فِي كلمة أهل الْبَيْت" وَقيل: يجوز الْخَفْض على الْبَدَل من الضَّمِير "فِي منا" وَهُوَ مَذْهَب الْأَخْفَش لجَوَاز الْبَدَل من ضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب خلافًا لسيبويه، فَإِنَّهُ قَالَ: هما غَايَة فِي الْبَيَان فَلَا يحتاجان إِلَى الْبَدَل. وَعِنْدِي فِي إِعْرَاب هَذِه الْكَلِمَة فِي الحَدِيث نُكْتَة لَطِيفَة، وَذَلِكَ أَن الْمُضمر فِيهَا جَاءَ فِيهِ احْتِمَال أَن يُرَاد الْمُتَكَلّم خَاصَّة أَو يُرَاد الْمُتَكَلّم وجماعته. وَالْجَمَاعَة هَا هُنَا يحْتَمل أَن يُرَاد بهم الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَو أهل الْبَيْت صلوَات الله عَلَيْهِم، فَلَمَّا تعدد الِاحْتِمَال جَازَ الْبَيَان بالإبدال. وَيَنْبَغِي أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخِلا فِي أهل الْبَيْت هَهُنَا لقَوْله "منا" وَيكون المُرَاد أهل بَيت النُّبُوَّة، بِخِلَاف التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} فَيَنْبَغِي أَن يكون التَّقْدِير حِينَئِذٍ أهل بَيت النَّبِي، وَيكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَا هُنَا خَارِجا من اللَّفْظ، لِأَن أهل بَيته أَزوَاجه. وَفِي هَذِه المرحمة تَعْظِيم عَظِيم من الله تَعَالَى لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ جعل الْبَيْت الْمُطلق عبارَة عَن بَيته كَمَا جعل الْبَيْت الْمُطلق فِي حَقه تَعَالَى عبارَة عَن الْكَعْبَة كالاسم الْعلم لَهَا "أَي فِي مثل قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا} .
[1] اللواذ: التستر بِشَيْء عِنْد الْفِرَار وَهُوَ إِشَارَة إِلَى تعللهم بالأعذار.
[2] الكدية: الْحجر الضخم الصلد.
[3] وكأنما سلم رَسُول الله لأَصْحَابه فِي ذَلِك الْيَوْم مَفَاتِيح تِلْكَ الْبلدَانِ.
نام کتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير نویسنده : ابن عبد البر    جلد : 1  صفحه : 170
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست