الخلوة، إيثارًا لرضى ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب.
ولهذا كثير من المؤمنين لو ضرب على أن يفطر في رمضان لغير عذر لم يفعل، لعلمه بكراهية الله تعالى لفطره في هذا الشهر، وهذا من علامات الإيمان: أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه، فتصير لذته فيما يرضي مولاه، وإن كان مخالفًا لهواه.
وإذا كان هذا فيما حُرَّمَ لعارض الصوم: من الطعام والشراب، ومباشرة النساء، فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حُرِّمَ على الإطلاق، كالزنا وشرب الخمر، وأخذ أموال الناس بالباطل، وهتك الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة، فإن هذا يسخط الله على كل حال، وفي كل مكان وزمان.
الوجه الثاني: أن الصيام سرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلعُ عليه غيره، لأنه مركبٌ من نيةٍ باطنةٍ لا يطلعُ عليها إلا الله، وتركٍ لتناولِ الشهوات التي يستخفى بتناولها في العادة، ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة وقيل: إنه ليس فيه رياء.
وقد يرجع إلى الأول، فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله - عز وجل -، بحيث لا يطلع عليه غير من أمره ونهاه: دلَّ على صحة إيمانه، والله تعالى يحبُّ من عباد أن يعاملوه سرًا بينهم