نام کتاب : نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 8 صفحه : 3491
أي أوصى كلّ منهما صاحبه بمعنى عهد إليه، وأوصى الرّجل ووصّاه بمعنى، والاسم من ذلك: الوصيّة والوصاة، قال الشّاعر:
ألا من مبلغ عنّي يزيدا ... وصاة من أخي ثقة ودود [1] .
وقول الله تعالى: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام/ 151) إشارة إلى ما تقدّم من قوله سبحانه قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ... قال القرطبيّ:
هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيّه بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرّم الله، وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلّغوا النّاس ويبيّنوا لهم ما حرّم عليهم ممّا أحلّ. وقوله ذلِكُمْ إشارة إلى هذه المحرّمات (والمأمورات) ، والوصيّة هي الأمر المؤكّد المقدور [2] ، وقال أبو حيّان: في لفظ وصّاكم من اللّطف والرّأفة ما لا يخفى من الإحسان، قال الأعشى:
أجدّك لم تسمع وصاة محمّد ... نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا
وقد وصف بها (أي الوصيّة) ما فرضه الله عزّ وجلّ على عباده في كلّ الشّرائع كما يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما- في هذه الآية الكريمة والآيتين بعدها (الآيات 151- 153 من سورة الأنعام) [3] .
فهذه هي الآيات المحكمات الّتي أجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قطّ في ملّة [4] ، وقال الطّبريّ في معنى قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر/ [3]) أي أوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل في كتابه من أمره واجتناب ما نهى عنه فيه، والحقّ كتاب الله تعالى، أمّا التّواصي بالصّبر فمعناه: أوصى بعضهم بعضا بالصّبر على العمل بطاعة الله [5] . وقال النّيسابوريّ وفي لفظ التّواصي دون الدّعاء أو النّصيحة تأكيد بليغ كأنّه أمر مهتمّ به كالوصيّة [6] . التواصي اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- التّواصي مصطلحا، ويمكن تعريفه في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون: أن يوصي بعض النّاس بعضا بالعمل بكتاب الله وبطاعته وبالانتهاء عمّا نهى الله عنه.
أمّا الوصيّة (يرادفها الوصاة) فإنّ لها في الشّرع معنيان:
الأوّلّ: عهد خاصّ مضاف إلى ما بعد الموت، وقد يصحبه التّبرّع [7] ، وعرّف صاحب المغني هذا النّوع فقال: هي التّبرّع بالمال بعد الموت [8] ، وقد عقد الفقهاء لذلك باب الوصايا.
الآخر: وهو المراد هنا، ما يقع به الزّجر عن المنهيّات والحثّ على المأمورات [9] ويكون ذلك من [1] انظر لسان العرب 15/ 394 [2] تفسير القرطبي 7/ 134 [3] انظر هذه الآيات في الشاهد القرآني رقم (14) . [4] تفسير البحر المحيط 4/ 250 [5] تفسير الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 188 [6] تفسير النيسابوري، بهامش الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 160 [7] فتح الباري ج 5، ص 419 [8] المغني لابن قدامة 6/ 414، وانظر أيضا الشرح الكبير، المجلد نفسه والصفحة نفسها. [9] فتح الباري ج 5، ص 419
نام کتاب : نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 8 صفحه : 3491