responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 38
أَفَتَرَى أَنَّ صَرْفَ الْقَلْبِ مِنْ سَائِرِ الْأُمُورِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مَطْلُوبًا مِنْكَ؟ هَيْهَاتَ، فَلَا مَطْلُوبَ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الظَّوَاهِرُ تَحْرِيكَاتٌ لِلْبَوَاطِنِ وَضَبْطٌ لِلْجَوَارِحِ وَتَسْكِينٌ لَهَا بِالْإِثْبَاتِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَا تَبْغِيَ عَلَى الْقَلْبِ، فَإِنَّهَا إِذَا بَغَتْ وَظَلَمَتْ فِي حَرَكَاتِهَا وَالْتِفَاتِهَا إِلَى جِهَاتِهَا اسْتَتْبَعَتِ الْقَلْبَ وَانْقَلَبَتْ بِهِ عَنْ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَلْيَكُنْ وَجْهُ قَلْبِكَ مَعَ وَجْهِ بَدَنِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا لَا يَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ إِلَى جِهَةِ الْبَيْتِ إِلَّا بِالِانْصِرَافِ عَنْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْصَرِفُ الْقَلْبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِالتَّفَرُّغِ عَمَّا سِوَاهُ.

وَأَمَّا الِاعْتِدَالُ قَائِمًا: فَإِنَّمَا هُوَ مُثُولٌ بِالشَّخْصِ وَالْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَنْبِيهًا عَلَى إِلْزَامِ الْقَلْبِ التَّوَاضُعَ وَالتَّذَلُّلَ وَالتَّبَرُّؤَ عَنِ التَّرَؤُّسِ وَالتَّكَبُّرِ، مَعَ ذِكْرِ خَطَرِ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَوْلِ الْمَطْلَعِ عِنْدَ الْعَرْضِ لِلسُّؤَالِ، وَاعْلَمْ فِي الْحَالِ أَنَّكَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ، فَقُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامَكَ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مُلُوكِ الزَّمَانِ إِنْ كُنْتَ تَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ كُنْهِ جَلَالِهِ.

وَأَمَّا النِّيَّةُ: فَعَزْمٌ عَلَى إِجَابَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا رَجَاءً لِثَوَابِهِ وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَطَلَبًا لِلْقُرْبَةِ مِنْهُ مُتَقَلِّدًا لِلْمِنَّةِ مِنْهُ بِإِذْنِهِ لَكَ فِي الْمُنَاجَاةِ مَعَ كَثْرَةِ عِصْيَانِكَ، فَعَظِّمْ فِي نَفْسِكَ قَدْرَ مُنَاجَاتِهِ، وَانْظُرْ مَنْ تُنَاجِي وَكَيْفَ تُنَاجِي وَبِمَاذَا تُنَاجِي، وَعِنْدَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْرَقَ جَبِينُكَ مِنَ الْخَجَلِ وَتَرْتَعِدَ فَرَائِصُكَ مِنَ الْهَيْبَةِ وَيَصْفَرَّ وَجْهُكَ مِنَ الْخَوْفِ.

وَأَمَّا التَّكْبِيرُ: فَإِذَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ قَلْبُكَ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْ كَانَ هَوَاكَ أَغْلَبَ عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ أَطْوَعُ لَهُ مِنْكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدِ اتَّخَذْتَهُ إِلَهَكَ وَكَبَّرْتَهُ فَيَكُونُ قَوْلُكُ «اللَّهُ أَكْبَرُ» كَلَامًا بِاللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ تَخَلَّفَ الْقَلْبُ عَنْ مُسَاعَدَتِهِ، وَمَا أَعْظَمَ الْخَطَرَ فِي ذَلِكَ لَوْلَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِكَرَمِهِ سُبْحَانَهُ وَعَفْوِهِ.

وَأَمَّا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ: فَأَوَّلُ كَلِمَاتِهِ قَوْلُكَ «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْوَجْهَ الظَّاهِرَ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا وَجَّهْتَهُ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَتَقَدَّسُ عَنْ أَنْ تَحُدَّهُ الْجِهَاتُ حَتَّى تُقْبِلَ بِوَجْهِ بَدَنِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْقَلْبِ هُوَ الَّذِي تَتَوَجَّهُ بِهِ إِلَى فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْظُرْ إِلَيْهِ: أَمُتَوَجِّهٌ إِلَى أَمَانِيهِ وَهَمِّهِ فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ مُتَّبِعٌ لِلشَّهَوَاتِ، أَوْ مُقْبِلٌ عَلَى فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ؟ وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ أَوَّلُ مُفَاتَحَتِكَ لِلْمُنَاجَاةِ بِالْكَذِبِ وَلَنْ يَنْصَرِفَ الْوَجْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِانْصِرَافِهِ عَمَّا سِوَاهُ، فَاجْتَهِدْ فِي الْحَالِ فِي صَرْفِهِ إِلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ عَلَى الدَّوَامِ فَلْيَكُنْ قَوْلُكَ فِي الْحَالِ صَادِقًا. وَإِذَا قُلْتَ: «حَنِيفًا مُسْلِمًا» فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ هُوَ الَّذِي سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كُنْتَ كَاذِبًا فَاجْتَهِدْ فِي أَنْ تَعْزِمَ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَتَنْدَمَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَإِذَا قُلْتَ: «وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فَأَخْطِرْ بِبَالِكَ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ كَمَنْ يَقْصِدُ بِعِبَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَحَمْدَ النَّاسِ، فَكُنْ حَذِرًا مُتَّقِيًا مِنْ هَذَا الشِّرْكِ وَاسْتَشْعِرِ الْخَجْلَةَ فِي قَلْبِكَ إِنْ وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِأَنَّكَ لَسْتَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةٍ عَنْ هَذَا الشِّرْكِ، فَإِنَّ اسْمَ الشِّرْكِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْهُ. وَإِذَا قُلْتَ: «مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ»

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست