responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 37
وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْبَاطِنَةُ فَهِيَ أَشَدُّ، فَإِنَّ مَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا لَمْ يَنْحَصِرْ فِكْرُهُ فِي فَنٍّ وَاحِدٍ بَلْ لَا يَزَالُ يَطِيرُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. فَهَذَا طَرِيقُهُ أَنْ يَرُدَّ النَّفْسَ قَهْرًا إِلَى فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُشْغِلَهَا بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِأَنْ يُجَدِّدَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ الْآخِرَةِ وَمَوْقِفَ الْمُنَاجَاةِ وَخَطَرَ الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْمُطَلِّعُ، وَيُفْرِغَ قَلْبَهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِالصَّلَاةِ عَمَّا يُهِمُّهُ فَلَا يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ شُغْلًا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ خَاطِرُهُ.
فَإِنْ كَانَ لَا يَسْكُنُ هَائِجُ أَفْكَارِهِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُسَكِّنِ فَلَا يُنْجِيهِ إِلَّا الْمُسَهِّلُ الَّذِي يَقْمَعُ مَادَّةَ الدَّاءِ مِنْ أَعْمَاقِ الْعُرُوقِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأُمُورِ الصَّارِفَةِ عَنْ إِحْضَارِ الْقَلْبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى مُهِمَّاتِهِ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا صَارَتْ مُهِمَّاتٍ بِشَهَوَاتِهِ، فَيُعَاقِبُ نَفْسَهُ بِالنُّزُوعِ عَنْ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ وَقَطْعِ تِلْكَ الْعَلَائِقِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَبِسَ الْخَمِيصَةَ الَّتِي أَتَاهُ بِهَا «أبو جهم» وَعَلَيْهَا عَلَمٌ وَصَلَّى بِهَا نَزَعَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أبي جهم فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَائْتُونِي بِإِنْبِجَانِيَّةِ أبي جهم» .

بَيَانُ تَفْصِيلِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ كُلِّ رُكْنٍ وَشَرْطٍ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ:
إِذَا سَمِعْتَ نِدَاءَ الْمُؤَذِّنِ فَأَحْضِرْ فِي قَلْبِكَ هَوْلَ النِّدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَشَمَّرْ بِظَاهِرِكَ وَبَاطِنِكَ لِلْإِجَابَةِ وَالْمُسَارَعَةِ، فَإِنَّ الْمُسَارِعِينَ إِلَى هَذَا النِّدَاءِ هُمْ يُنَادَوْنَ بِاللُّطْفِ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ.
وَأَمَّا الطَّهَارَةُ: فَإِذَا أَتَيْتَ بِهَا فِي مَكَانِكَ وَهُوَ طَرَفُكَ الْأَبْعَدُ، ثُمَّ فِي ثِيَابِكَ وَهُوَ غِلَافُكَ الْأَقْرَبُ، ثُمَّ فِي بَشَرَتِكَ وَهُوَ قِشْرُكَ الْأَدْنَى، فَلَا تَغْفُلْ عَنْ لُبِّكَ الَّذِي هُوَ ذَاتُكَ وَهُوَ قَلْبُكَ، فَاجْتَهِدْ لَهُ تَطَهُّرًا بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَرَّطْتَ وَتَصْمِيمِ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَطَهِّرْ بِهَا بَاطِنَكَ فَإِنَّهُ مَوْقِعُ نَظَرِ مَعْبُودِكَ.

وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ: فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَاهُ تَغْطِيَةُ مَقَابِحِ بَدَنِكَ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ بَدَنِكَ مُوقِعٌ لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَمَا بَالُكَ فِي عَوْرَاتِ بَاطِنِكَ وَفَضَائِحِ سَرَائِرِكَ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَحْضِرْ تِلْكَ الْفَضَائِحَ بِبَالِكَ وَطَالِبْ نَفْسَكَ بِسَتْرِهَا، وَتَحَقَّقْ أَنَّهُ لَا يَسْتُرُ عَنْ عَيْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ سَاتِرٌ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا النَّدَمُ وَالْحَيَاءُ وَالْخَوْفُ، فَتَسْتَفِيدُ بِإِحْضَارِهَا فِي قَلْبِكَ انْبِعَاثَ وُجُودِ الْخَوْفِ وَالْحَيَاءِ مِنْ مَكَانِهَا فَتُذِلُّ بِهِ نَفْسَكَ، وَيَسْتَكِنُّ تَحْتَ الْخَجْلَةِ قَلْبُكَ، وَتَقُومُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قِيَامَ الْعَبْدِ الْمُجْرِمِ الْمُسِيءِ الْآبِقِ الَّذِي نَدِمَ فَرَجَعَ إِلَى مَوْلَاهُ نَاكِسًا رَأْسَهُ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْخَوْفِ.

وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ: فَهُوَ صَرْفٌ لِظَاهِرِ وَجْهِكَ عَنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ إِلَى جِهَةِ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى،

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 37
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست