responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 325
الْكُبْرَى لِيَتَسَلَّى بِهَا عَنْ شِدَّةِ الْجَزَعِ، فَمَا مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا وَيَتَصَوَّرُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَمَا يَدْفَعُهُ اللَّهُ فِي كُلِّ حَالٍ فَهُوَ الْأَكْثَرُ.

ذِكْرَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنَ الْبَرْزَخِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ
كَمَا أَنَّ لِلْمَوْتِ شِدَّةً فِي أَحْوَالِهِ وَسَكَرَاتِهِ وَخَطَرًا فِي خَوْفِ الْعَاقِبَةِ، كَذَلِكَ الْخَطَرُ فِي مُقَاسَاةِ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَدِيدَانِهِ، ثُمَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَسُؤَالِهِمَا، ثُمَّ لِعَذَابِ الْقَبْرِ وَخَطَرِهِ إِنْ كَانَ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْأَخْطَارُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ نَفْخِ الصُّورِ، وَالْبَعْثِ يَوْمَ النُّشُورِ، وَالْعَرْضِ عَلَى الْجَبَّارِ، وَالسُّؤَالِ عَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَنَصْبِ الْمِيزَانِ لِمَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ، ثُمَّ جَوَازِ الصِّرَاطِ، ثُمَّ انْتِظَارِ النِّدَاءِ عِنْدَ فَصْلِ الْقَضَاءِ إِمَّا بِالْإِسْعَادِ وَإِمَّا بِالْإِشْقَاءِ. فَهَذِهِ أَحْوَالٌ وَأَهْوَالٌ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ الْإِيمَانِ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ وَالتَّصْدِيقِ، ثُمَّ تَطْوِيلِ الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ لِيَنْبَعِثَ مِنْ قَلْبِكَ دَوَاعِي الِاسْتِعْدَادِ لَهَا. وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ صَمِيمَ قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ سُوَيْدَاءِ أَفْئِدَتِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ تَشَمُّرِهِمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِحَرِّ الصَّيْفِ وَبَرْدِ الشِّتَاءِ وَتَهَاوُنِهِمْ بِحَرِّ جَهَنَّمَ وَزَمْهَرِيرِهَا مَعَ مَا تَكْتَنِفُهُ مِنَ الْمَصَاعِبِ وَالْأَهْوَالِ، بَلْ إِذَا سُئِلُوا عَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ ثُمَّ غَفَلَتْ عَنْهُ قُلُوبُهُمْ، وَمَنْ أُخْبِرَ بِأَنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ مَسْمُومٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي أَخْبَرَهُ صَدَقْتَ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ لِتَنَاوُلِهِ كَانَ مُصَدِّقًا بِلِسَانِهِ وَمُكَذِّبًا بِعَمَلِهِ، وَتَكْذِيبُ الْعَمَلِ أَبْلَغُ مِنْ تَكْذِيبِ اللِّسَانِ. فَمَثِّلْ نَفْسَكَ وَقَدْ بُعِثْتَ مِنْ قَبْرِكَ مَبْهُوتًا مِنْ شِدَّةِ الصَّعْقَةِ شَاخِصَ الْعَيْنِ نَحْوَ النِّدَاءِ، وَقَدْ ثَارَ الْخَلْقُ ثَوْرَةً وَاحِدَةً مِنَ الْقُبُورِ الَّتِي طَالَ فِيهَا بَلَاهُمْ وَقَدْ أَزْعَجَهُمُ الرُّعْبُ مُضَافًا إِلَى مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَشِدَّةِ الِانْتِظَارِ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزُّمَرِ: 68] فَتَفَكَّرْ فِي الْخَلَائِقِ وَذُلِّهِمْ وَانْكِسَارِهِمْ وَاسْتِكَانَتِهِمُ انْتِظَارًا لِمَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُنْكَسِرٌ كَانْكِسَارِهِمْ، مُتَحَيِّرٌ كَتَحَيُّرِهِمْ، فَكَيْفَ حَالُكَ وَحَالُ قَلْبِكَ هُنَالِكَ وَقَدْ بُدِّلَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ، وَطُمِسَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ وَاشْتَبَكَ النَّاسُ وَهُمْ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُشَاةٌ، وَازْدَحَمُوا فِي الْمَوْقِفِ شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ مُنْفَطِرَةً قُلُوبُهُمْ. فَتَأَمَّلْ يَا مِسْكِينُ فِي طُولِ هَذَا الْيَوْمِ، وَشِدَّةِ الِانْتِظَارِ فِيهِ، وَالْخَجْلَةِ وَالْحَيَاءِ مِنَ الِافْتِضَاحِ عِنْدَ الْعَرْضِ عَلَى الْجَبَّارِ تَعَالَى وَأَنْتَ عَارٍ مَكْشُوفٌ ذَلِيلٌ مُتَحَيِّرٌ مَبْهُوتٌ مُنْتَظِرٌ لِمَا يَجْرِي عَلَيْكَ الْقَضَاءُ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالشَّقَاوَةِ، وَأَعْظِمْ بِهَذِهِ الْحَالِ فَإِنَّهَا عَظِيمَةٌ، وَاسْتَعِدَّ لِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ شَأْنُهُ الْقَاهِرِ سُلْطَانُهُ الْقَرِيبِ أَوَانُهُ يَوْمَ تَذْهَلُ فِيهِ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الْحَجِّ: 2] يَوْمَ تَرَى السَّمَاءَ فِيهِ قَدِ انْفَطَرَتْ، وَالْكَوَاكِبَ مِنْ هَوْلِهِ قَدِ انْتَثَرَتْ [الِانْفِطَارِ: 2] ، وَالنُّجُومَ الزَّوَاهِرَ قَدِ انْكَدَرَتْ، وَالشَّمْسَ قَدْ كُوِّرَتْ، وَالْجِبَالَ قَدْ سُيِّرَتْ، وَالْعِشَارَ قَدْ عُطِّلَتْ، وَالْوُحُوشَ قَدْ حُشِرَتْ، وَالْبِحَارَ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 325
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست