responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 303
نِيَّتُهُ وَتَجَرَّدَتْ لِلْخَيْرِ إِرَادَتُهُ صَارَ صَادِقًا وَصِدِّيقًا كَيْفَمَا كَانَ لَفْظُهُ، ثُمَّ التَّعْرِيضُ فِيهِ أَوْلَى، وَطَرِيقُهُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ بَعْضُ الظَّلَمَةِ وَهُوَ فِي دَارِهِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: خُطِّي بِأُصْبُعِكِ دَائِرَةً وَضَعِي الْأُصْبُعَ عَلَى الدَّائِرَةِ وَقُولِي: لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنِ الْكَذِبِ وَدَفَعَ الظَّالِمَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ صِدْقًا، وَأَفْهَمَ الظَّالِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنْ صَرِيحِ اللَّفْظِ وَعَنِ الْمَعَارِيضِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ هُوَ الْكَمَالُ الْأَوَّلُ فِي صِدْقِ الْأَوَّلِ.
وَهُنَاكَ كَمَالٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنْ يُرَاعِيَ مَعْنَى الصِّدْقِ فِي أَلْفَاظِهِ الَّتِي يُنَاجِي بِهَا رَبَّهُ كَقَوْلِهِ: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [الْأَنْعَامِ: 79] . فَإِنَّ قَلْبَهُ إِنْ كَانَ مُنْصَرِفًا عَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَشْغُولًا بِأَمَانِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ، وَكَقَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الْفَاتِحَةِ: 5] وَكَقَوْلِهِ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ» فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَكَانَ لَهُ مَطْلَبٌ سِوَى اللَّهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ صِدْقًا، وَلَوْ طُولِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالصِّدْقِ فِي قَوْلِهِ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، لَعَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لِدُنْيَا أَوْ عَبْدًا لِشَهَوَاتِهِ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ، وَكُلُّ مَا تَقَيَّدَ الْعَبْدُ بِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لَهُ.
كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ» سَمَّى كُلَّ مَنْ تَقَيَّدَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ عَبْدًا لَهُ، وَإِنَّمَا الْعَبْدُ الْحَقُّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ أَعْتَقَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاشْتَغَلَ بِاللَّهِ وَبِمَحَبَّتِهِ، وَتَقَيَّدَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ بِطَاعَتِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُرَادٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الصِّدْقُ فِي النِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ: وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى الْإِخْلَاصِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بَاعِثٌ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إِلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - فَإِنْ مَازَجَهُ شَوْبٌ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ بَطَلَ صِدْقُ النِّيَّةِ.
الثَّالِثَةُ صِدْقُ الْعَزْمِ: وَهُوَ الْجَزْمُ فِيهِ بِقُوَّةٍ، وَالصَّادِقُ فِيهِ هُوَ الَّذِي تُصَادِفُ عَزِيمَتُهُ فِي الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا قُوَّةً تَامَّةً لَيْسَ فِيهَا مَيْلٌ وَلَا ضَعْفٌ وَلَا تَرَدُّدٌ، بَلْ تَسْخُو أَبَدًا بِالْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ الْجَازِمِ عَلَى الْخَيْرَاتِ، كَمَنْ يَقُولُ: «إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا تَصَدَّقْتُ بِشَطْرِهِ، وَإِنْ أَعْطَانِي اللَّهُ وِلَايَةً عَدَلْتُ فِيهَا وَلَمْ أَعْصِ اللَّهَ - تَعَالَى - بِظُلْمٍ وَمَيْلٍ إِلَى خَلْقٍ» فَصِدْقُ هَذِهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ سَخَاءُ نَفْسِهِ بِمَا نَوَى.
الرَّابِعَةُ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَزْمِ: فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَسْخُو بِالْعَزْمِ فِي الْحَالِ إِذْ لَا مَشَقَّةَ فِي الْوَعْدِ وَالْعَزْمِ، وَالْمَؤُونَةُ فِيهِ خَفِيفَةٌ، فَإِذَا حُقَّتِ الْحَقَائِقُ وَحَصَلَ التَّمَكُّنُ وَهَاجَتِ الشَّهَوَاتُ انْحَلَّتِ الْعَزِيمَةُ وَغَلَبَتِ الشَّهَوَاتُ وَلَمْ يَتَّفِقِ الْوَفَاءُ بِالْعَزْمِ، وَهَذَا يُضَادُّ الصِّدْقَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الْأَحْزَابِ: 23] فَقَدْ رُوِيَ عَنْ «أنس» أَنَّ عَمَّهُ «أنس بن النضر» لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ وَقَالَ: «أَوَّلُ مَشْهَدٍ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 303
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست