responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 289
كِتَابُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ
الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ جَنَاحَانِ بِهِمَا يَطِيرُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى كُلِّ مَقَامٍ مَحْمُودٍ، وَمَطِيَّتَانِ بِهِمَا يَقْطَعُ مِنْ طُرُقِ الْآخِرَةِ كُلَّ عَقَبَةٍ كَؤُودٍ، فَلَا يَقُودُ إِلَى قُرْبِ الرَّحْمَنِ إِلَّا أَزِمَّةُ الرَّجَاءِ، وَلَا يَصُدُّ عَنْ نَارِ الْجَحِيمِ إِلَّا سِيَاطُ التَّخْوِيفِ. فَلَا بُدَّ إِذًا مِنْ بَيَانِ حَقَائِقِهِمَا.

بَيَانُ حَقِيقَةِ الرَّجَاءِ
قَدْ عَلِمَ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَالْقَلْبَ كَالْأَرْضِ، وَالْإِيمَانَ كَالْبَذْرِ فِيهِ، وَالطَّاعَاتِ جَارِيَةٌ مَجْرَى تَقْلِيبِ الْأَرْضِ وَتَطْهِيرِهَا، وَمَجْرَى حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَسِيَاقَةِ الْمَاءِ إِلَيْهَا، وَالْقَلْبَ الْمُسْتَهْتِرَ بِالدُّنْيَا الْمُسْتَغْرِقَ بِهَا كَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ الَّتِي لَا يَنْمُو فِيهَا الْبَذْرُ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْحَصَادِ، وَلَا يَحْصُدُ إِلَّا مَا زَرَعَ، وَلَا يَنْمُو زَرْعٌ إِلَّا مِنْ بَذْرِ الْإِيمَانِ، وَقَلَّمَا يَنْفَعُ إِيمَانٌ مَعَ خُبْثِ الْقَلْبِ وَسُوءِ أَخْلَاقِهِ كَمَا لَا يَنْمُو بَذْرٌ فِي أَرْضٍ سَبِخَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ رَجَاءُ الْعَبْدِ الْمَغْفِرَةَ بِرَجَاءِ صَاحِبِ الزَّرْعِ، فَكُلُّ مَنْ طَلَبَ أَرْضًا طَيِّبَةً وَأَلْقَى فِيهَا بَذْرًا جَيِّدًا غَيْرَ عَفِنٍ وَلَا مُسَوِّسٍ ثُمَّ أَمَدَّهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ سَوْقُ الْمَاءِ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِهِ، ثُمَّ نَقَّى الشَّوْكَ عَنِ الْأَرْضِ وَالْحَشِيشَ وَكُلَّ مَا يَمْنَعُ نَبَاتَ الْبَذْرِ أَوْ يُفْسِدُهُ، ثُمَّ جَلَسَ مُنْتَظِرًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - دَفْعَ الصَّوَاعِقِ وَالْآفَاتِ الْمُفْسِدَةِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيَبْلُغَ غَايَتَهُ، سُمِّيَ انْتِظَارُهُ رَجَاءً، وَإِنْ بَثَّ الْبَذْرَ فِي أَرْضٍ صُلْبَةٍ سَبِخَةٍ مُرْتَفِعَةٍ لَا يَنْصَبُّ إِلَيْهَا الْمَاءُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِتَعَهُّدِ الْبَذْرِ أَصْلًا ثُمَّ انْتَظَرَ الْحَصَادَ مِنْهُ، سُمِّيَ انْتِظَارُهُ حُمْقًا وَغُرُورًا، لَا رَجَاءً، وَإِنْ بَثَّ الْبَذْرَ فِي أَرْضٍ طَيِّبَةٍ لَكِنْ لَا مَاءَ لَهَا وَأَخَذَ يَنْتَظِرُ مِيَاهَ الْأَمْطَارِ حَيْثُ لَا تَغْلِبُ الْأَمْطَارُ وَلَا تَمْتَنِعُ أَيْضًا، سُمِّيَ انْتِظَارُهُ تَمَنِّيًا لَا رَجَاءً.
فَإِذَنِ اسْمُ الرَّجَاءِ إِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى انْتِظَارِ مَحْبُوبٍ تَمَهَّدَتْ جَمِيعُ أَسْبَابِهِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا لَيْسَ يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ فَضْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِصَرْفِ الْقَوَاطِعِ وَالْمُفْسِدَاتِ. فَالْعَبْدُ إِذَا بَثَّ بَذْرَ الْإِيمَانِ وَسَقَاهُ بِمَاءِ الطَّاعَاتِ وَطَهَّرَ الْقَلْبَ عَنْ شَوْكِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ وَانْتَظَرَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - تَثْبِيتَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْمَوْتِ، وَحُسْنَ الْخَاتِمَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمَغْفِرَةِ، كَانَ انْتِظَارُهُ رَجَاءً حَقِيقِيًّا مَحْمُودًا فِي نَفْسِهِ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَى أَسْبَابِ الْإِيمَانِ فِي إِتْمَامِ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 289
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست