responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 279
الْإِصْرَارِ فَلَيْسَ يَخْلُو عَنِ الْفَائِدَةِ أَصْلًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَظُنَّ أَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا فَإِنَّهُ لَا تَخْلُو ذَرَّةٌ مِنْ خَيْرٍ عَنْ أَثَرٍ كَمَا لَا تَخْلُو شُعَيْرَةٌ تُطْرَحُ فِي الْمِيزَانِ عَنْ أَثَرٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَصْغِرَ ذَرَّاتِ الطَّاعَاتِ فَلَا تَأْتِيَهَا وَذَرَّاتِ الْمَعَاصِي فَلَا تَنْفِيَهَا. فَإِنَّ التَّضَرُّعَ وَالِاسْتِغْفَارَ بِالْقَلْبِ حَسَنَةٌ لَا تَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ أَصْلًا بَلْ أَقُولُ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ أَيْضًا حَسَنَةٌ؛ إِذْ حَرَكَةُ اللِّسَانِ بِهَا عَنْ غَفْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ بِغِيبَةِ مُسْلِمٍ أَوْ فُضُولِ كَلَامٍ، «فَرَابِعَةُ» بِقَوْلِهَا: «اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ» لَا تَظُنَّ أَنَّهَا تَذُمُّ حَرَكَةَ اللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ، بَلْ تَذُمُّ غَفْلَةَ الْقَلْبِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ غَفْلَةِ قَلْبِهِ لَا مِنْ حَرَكَةِ لِسَانِهِ.

دَوَاءُ التَّوْبَةِ وَطَرِيقُ الْعِلَاجِ لِحَلِّ عُقْدَةِ الْإِصْرَارِ
اعْلَمْ أَنَّ شِفَاءَ التَّوْبَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالدَّوَاءِ، وَكُلُّ دَاءٍ حَصَلَ مِنْ سَبَبٍ فَدَوَاؤُهُ إِبْطَالُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الشَّيْءُ إِلَّا بِضِدِّهِ، وَلَا سَبَبَ لِلْإِصْرَارِ إِلَّا الْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ، وَلَا يُضَادُّ الْغَفْلَةَ إِلَّا الْعِلْمُ، وَلَا يُضَادُّ الشَّهْوَةَ إِلَّا الصَّبْرُ عَلَى قَطْعِ الْأَسْبَابِ الْمُحَرِّكَةِ لِلشَّهْوَةِ.
وَأَمَّا الْأَنْوَاعُ النَّافِعَةُ فِي حَلِّ عُقْدَةِ الْإِصْرَارِ وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ الذُّنُوبِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ لِلْمُذْنِبِينَ وَالْعَاصِينَ، وَكَذَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي ذَمِّ الْمَعَاصِي وَمَدْحِ التَّائِبِينَ.
الثَّانِي: حِكَايَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَصَائِبِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، فَذَلِكَ شَدِيدُ الْوَقْعِ ظَاهِرُ النَّفْعِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، مِثْلُ أَحْوَالِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِصْيَانِهِ وَمَا لَقِيَهُ مِنَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وُرُودَ الْأَسْمَارِ بَلِ الْغَرَضُ بِهَا الِاعْتِبَارُ وَالِاسْتِبْصَارُ لِتَعْلَمَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - لَمْ يُتَجَاوَزْ عَنْهُمْ فِي الذُّنُوبِ الصِّغَارِ فَكَيْفَ يُتَجَاوَزُ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الذُّنُوبِ الْكِبَارِ، فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكْثُرَ جِنْسُهُ عَلَى أَسْمَاعِ الْمُصِرِّينَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ فِي تَحْرِيكِ دَوَاعِي التَّوْبَةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مُتَوَقَّعٌ عَلَى الذُّنُوبِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنَ الْمَصَائِبِ فَهُوَ بِسَبَبِ جِنَايَاتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَوَّفَ بِهِ، وَفِي خَبَرٍ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «لَيْسَتِ اللَّعْنَةُ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ وَنُقْصَانًا فِي الْمَالِ، إِنَّمَا اللَّعْنَةُ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا وَقَعْتَ فِي مِثْلِهِ أَوْ شَرٍّ مِنْهُ» وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ هِيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، فَإِذَا لَمْ يُوَفَّقْ لِلْخَيْرِ، وَيُسِّرَ لَهُ الشَّرُّ فَقَدْ أُبْعِدَ، وَالْحِرْمَانُ عَنْ رِزْقِ التَّوْفِيقِ أَعْظَمُ حِرْمَانٍ، وَكُلُّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى ذَنْبٍ آخَرَ وَيَتَضَاعَفُ فَيُحْرَمُ الْعَبْدُ بِهِ عَنْ رِزْقِهِ النَّافِعِ مِنْ مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ الْمُنْكِرِينَ لِلذُّنُوبِ، وَمِنْ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، بَلْ يَمْقُتُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِيَمْقُتَهُ الصَّالِحُونَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ فِي آفَاتِ الذُّنُوبِ فِي الدُّنْيَا، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَانَ عُقُوبَةً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ كَانَتِ اسْتِدْرَاجًا لَهُ وَيُحْرَمُ جَمِيلَ الشُّكْرِ حَتَّى يُعَاقَبَ عَلَى كُفْرَانِهِ،

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 279
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست