responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 269
كِتَابُ التَّوْبَةِ

حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ مَعْنًى يَنْتَظِمُ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: عِلْمٍ وَحَالٍ وَفَعْلٍ، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ لِلثَّانِي، وَالثَّانِي مُوجِبٌ لِلثَّالِثِ إِيجَابًا اقْتَضَاهُ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ.
أَمَّا الْعِلْمُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ عِظَمِ الذُّنُوبِ وَكَوْنِهَا سَمُومًا مُهْلِكَةً وَحِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ كُلِّ مَحْبُوبٍ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِيَقِينٍ غَالِبٍ عَلَى قَلْبِهِ ثَارَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمٌ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ مَهْمَا شَعَرَ بِفَوَاتِ مَحْبُوبِهِ تَأَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِفِعْلِهِ تَأَسَّفَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ فَيُسَمَّى تَأَلُّمُهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ الْمُفَوِّتِ لِمَحْبُوبِهِ نَدَمًا، فَإِذَا غَلَبَ هَذَا الْأَلَمُ عَلَى الْقَلْبِ وَاسْتَوْلَى انْبَعَثَ مِنْ هَذَا الْأَلَمِ فِي الْقَلْبِ حَالَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى إِرَادَةً وَقَصْدًا إِلَى فِعْلٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَالِ وَبِالْمَاضِي وَبِالِاسْتِقْبَالِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْحَالِ فَبِالتَّرْكِ لِلذَّنْبِ الَّذِي كَانَ مُلَابِسًا، وَأَمَّا بِالِاسْتِقْبَالِ فَبِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الذَّنْبِ الْمُفَوِّتِ لِلْمَحْبُوبِ إِلَى آخِرِ الْعُمُرِ، وَأَمَّا بِالْمَاضِي فَبِتَلَاقِي مَا فَاتَ بِالْخَيْرِ وَالْقَضَاءِ إِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْخَيْرِ.
فَالْعِلْمُ وَالنَّدَمُ وَالْقَصْدُ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرْكِ يُطْلَقُ اسْمُ التَّوْبَةِ عَلَى مَجْمُوعِهَا. وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ اسْمُ التَّوْبَةِ عَلَى مَعْنَى النَّدَمِ وَحْدَهُ، وَيُجْعَلُ الْعِلْمُ كَالْمُقَدِّمَةِ وَالتَّرْكُ كَالثَّمَرَةِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» إِذْ لَا يَخْلُو النَّدَمُ مِنْ عِلْمٍ أَوْجَبَهُ وَأَثْمَرَهُ وَعَنْ عَزْمٍ يَتْبَعُهُ وَيَتْلُوهُ.

بَيَانُ وُجُوبِ التَّوْبَةِ وَفَضْلُهَا:
اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ التَّوْبَةِ ظَاهِرٌ بِالْأَخْبَارِ وَالْآيَاتِ، وَهُوَ وَاضِحٌ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ عِنْدَ مَنْ شَرَحَ اللَّهُ بِنُورِ الْإِيمَانِ صَدْرَهُ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنْ لَا سَعَادَةَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ إِلَّا فِي لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كُلَّ مَحْجُوبٍ عَنْهُ شَقِيٌّ لَا مَحَالَةَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهِي مُحْتَرِقٌ بِنَارِ الْفِرَاقِ وَنَارِ الْجَحِيمِ، وَعَلِمَ أَنْ لَا مُبْعِدَ عَنْ لِقَاءِ اللَّهِ إِلَّا اتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ، وَلَا مُقَرِّبَ مِنْ لِقَائِهِ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ بِدَوَامِ ذِكْرِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ كَوْنِهِ مَحْجُوبًا مُبْعَدًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ الِانْصِرَافَ عَنْ طَرِيقِ الْبُعْدِ وَاجِبٌ لِلْوُصُولِ إِلَى الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِانْصِرَافُ بِالْعِلْمِ وَالنَّدَمِ وَالْعَزْمِ، وَهَكَذَا يَكُونُ الْإِيمَانُ الْحَاصِلُ عَنِ الْبَصِيرَةِ، وَمَنْ لَمْ يَتَرَشَّحْ لِهَذَا الْمَقَامِ فَيُلَاحِظُ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْآثَارِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النُّورِ: 31] وَهَذَا أَمْرٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) [التَّحْرِيمِ: 8] وَمَعْنَى النَّصُوحِ الْخَالِصُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِيًا عَنِ الشَّوَائِبِ.

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست