responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 245
الْأَوَّلُ: الْعِلْمُ، وَمَا أَسْرَعَ الْكِبْرَ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ كَمَالَ الْعِلْمِ فَيَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَسْتَحْقِرَ النَّاسَ وَيَسْتَجْهِلَهُمْ وَيَسْتَخْدِمَ مَنْ خَالَطَهُ مِنْهُمْ.
وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فَيَخَافُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لَهُمْ، وَسَبَبُ كِبْرِهِ بِالْعِلْمِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُسَمَّى عِلْمًا وَلَيْسَ عِلْمًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَنَفْسَهُ وَخَطَرَ أَمْرِهِ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَالْحِجَابِ مِنْهُ، وَهَذَا يُورِثُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ دُونَ الْكِبْرِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فَاطِرٍ: 28] .
ثَانِيهِمَا: أَنْ يَخُوضَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ خَبِيثُ الدُّخْلَةِ رَدِيءُ النَّفْسِ سَيِّئُ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ أَوَّلًا بِتَهْذِيبِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ قَلْبِهِ بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَاتِ فَبَقِيَ خَبِيثَ الْجَوْهَرِ، فَإِذَا خَاضَ فِي الْعِلْمِ صَادَفَ الْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ مَنْزِلًا خَبِيثًا فَلَمْ يَطِبْ ثَمَرُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَيْرِ أَثَرُهُ، وَقَدْ ضَرَبَ «وهب» لِهَذَا مَثَلًا فَقَالَ: الْعِلْمُ كَالْغَيْثِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حُلْوًا صَافِيًا فَتَشْرَبُهُ الْأَشْجَارُ بِعُرُوقِهَا فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ طَعُومِهَا فَيَزْدَادُ الْمُرُّ مَرَارَةً وَالْحُلْوُ حَلَاوَةً، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ يَحْفَظُهُ الرِّجَالُ فَتُحَوِّلُهُ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهَا وَأَهْوَائِهَا، فَيَزِيدُ الْمُتَكَبِّرَ كِبْرًا وَالْمُتَوَاضِعَ تَوَاضُعًا، وَهَذَا ; لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْكِبْرَ هُوَ جَاهِلٌ فَإِذَا حَفِظَ الْعِلْمَ وَجَدَ مَا يَتَكَبَّرُ بِهِ فَازْدَادَ كِبْرًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَائِفًا مَعَ عِلْمِهِ فَازْدَادَ عِلْمًا عَلِمَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ خَوْفًا.

الثَّانِي الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ: وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ الْعُبَّادِ فَيَتَرَشَّحُ مِنْهُمُ الْكِبْرُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ ذِكْرَهُمْ بِالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَتَقْدِيمَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عِبَادَتَهُمْ مِنَّةً عَلَى الْخَلْقِ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنْ يَرَى النَّاسَ هَالِكِينَ وَيَرَى نَفْسَهُ نَاجِيًا، وَهُوَ الْهَالِكُ تَحْقِيقًا مَهْمَا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُزْدَرٍ بِخَلْقِ اللَّهِ مُغْتَرٌّ آمِنٌ مِنْ مَكْرِهِ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ وَيَكْفِيهِ شَرًّا احْتِقَارُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .
وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ مُسْتَخِفٌّ أَوْ آذَاهُ مُؤْذٍ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ.
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَتَحَدَّى وَيَقُولَ: «سَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ» ، وَإِذَا أُصِيبَ بِنَكْبَةٍ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ إِلَّا الِانْتِقَامَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يَرَى طَبَقَاتٍ مِنَ الْكُفَّارِ يَسُبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعُرِفَ جَمَاعَةٌ آذَوُا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمْهَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ فِي الدُّنْيَا، بَلْ رُبَّمَا أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُصِبْهُ مَكْرُوهٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ: أَفَيَظُنُّ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 245
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست