responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 237
أَمَّا الْمُخْلِصُ: فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي كَيْفَ نَظَرَ الْخَلْقُ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يَعْتَقِدَ غَيْرُهُ مَا يُخَالِفُ عِلْمَ اللَّهِ فَيَكُونَ مُلَبِّسًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ لِلَّهِ قَنَعَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُشْرِكْ فِيهِ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَخْطُرُ لَهُ أَنَّ فِي إِظْهَارِهِ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ وَتَحْرِيكَ رَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ، وَفِيهِ مَكِيدَةٌ وَغُرُورٌ. فَهَذِهِ دَرَجَاتُ الرِّيَاءِ وَمَرَاتِبُ أَصْنَافِ الْمُرَائِينَ، وَجَمِيعُهُمْ تَحْتَ مَقْتِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَمِنْ أَشَدِّ الْمُهْلِكَاتِ.

بَيَانُ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ الَّذِي هُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ:
اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ، فَالْجَلِيُّ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَصَدَ الثَّوَابَ، وَهُوَ أَجْلَاهُ، وَأَخْفَى مِنْهُ قَلِيلًا هُوَ مَا لَا يَحْمِلُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُجَرَّدِهِ إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْعَمَلَ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ كَالَّذِي يَعْتَادُ التَّهَجُّدَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَزَلَ عِنْدَهُ ضَيْفٌ تَنَشَّطَ لَهُ وَخَفَّ عَلَيْهِ.
وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ، وَلَا بِالتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُسْتَبْطِنٌ فِي الْقَلْبِ، وَأَجْلَى عَلَامَاتِهِ أَنْ يُسَرَّ بِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَرُبَّ عَبْدٍ يُخْلِصُ فِي عَمَلِهِ، وَلَا يَعْتَقِدُ الرِّيَاءَ، بَلْ يَكْرَهُهُ وَيَرُدُّهُ وَيُتَمِّمُ الْعَمَلَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ سَرَّهُ ذَلِكَ وَارْتَاحَ لَهُ وَرَوَّحَ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِهِ شِدَّةَ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا السُّرُورُ يَدُلُّ عَلَى رِيَاءٍ خَفِيٍّ مِنْهُ يُرَشِّحُ السُّرُورَ، وَلَوْلَا الْتِفَاتُ الْقَلْبِ إِلَى النَّاسِ مَا ظَهَرَ سُرُورُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِ النَّاسِ، فَلَقَدْ كَانَ الرِّيَاءُ مُسْتَكِنًّا فِي الْقَلْبِ اسْتِكْنَانَ النَّارِ فِي الْحَجَرِ، فَأَظْهَرَ مِنْهُ اطِّلَاعُ الْخَلْقِ أَثَرَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَشْعَرَ لَذَّةَ السُّرُورِ بِالِاطِّلَاعِ وَلَمْ يُقَابِلْ ذَلِكَ بِكَرَاهِيَةٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ قُوتًا وَغِذَاءً لِلْعِرْقِ الْخَفِيِّ فِي الرِّيَاءِ حَتَّى يَتَحَرَّكَ عَلَى نَفْسِهِ حَرَكَةً خَفِيَّةً فَيَتَقَاضَى تَقَاضِيًا خَفِيًّا أَنْ يَتَكَلَّفَ سَبَبًا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ بِالشَّمَائِلِ كَخَفْضِ الصَّوْتِ وَآثَارِ الدُّمُوعِ.
وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَفِيَ بِحَيْثُ لَا يُرِيدُ الِاطِّلَاعَ، وَلَا يُسَرُّ بِظُهُورِ طَاعَتِهِ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ إِذَا رَأَى النَّاسَ أَحَبَّ أَنْ يُقَابِلُوهُ بِالْبَشَاشَةِ وَالتَّوْقِيرِ، وَأَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْشَطُوا فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَأَنْ يُسَامِحُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فِي الْمَكَانِ، فَإِنْ قَصَّرَ فِيهِ مُقَصِّرٌ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ وَوَجَدَ لِذَلِكَ اسْتِبْعَادًا فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ يَتَقَاضَى الِاحْتِرَامَ مَعَ الطَّاعَةِ الَّتِي أَخْفَاهَا، وَمَهْمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْعِبَادَةِ كَعَدَمِهَا فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنْ شَوْبٍ خَفِيٍّ مِنَ الرِّيَاءِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُحْبِطَ الْأَجْرَ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ.
وَلَمْ يَزَلِ الْمُخْلِصُونَ خَائِفِينَ مِنَ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ يَجْتَهِدُونَ فِي إِخْفَائِهَا أَعْظَمَ مِمَّا يَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى إِخْفَاءِ فَوَاحِشِهِمْ، كُلُّ ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ تَخْلُصَ أَعْمَالُهُمُ الصَّالِحَةُ فَيُجَازِيَهُمُ اللَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِإِخْلَاصِهِمْ، إِذْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ فِي الْقِيَامَةِ إِلَّا الْخَالِصَ وَعَلِمُوا شِدَّةَ حَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ، وَلَا بَنُونَ، وَلَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ.
فَإِذَنْ شَوَائِبُ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ، وَمَهْمَا أَدْرَكَ مِنْ نَفْسِهِ تَفْرِقَةً بَيْنَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عِبَادَتِهِ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنَ الرِّيَاءِ، فَلَوْ كَانَ مُخْلِصًا لَمَا بَالَى بِالنَّاسِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رِزْقٍ، وَلَا أَجَلٍ، وَلَا زِيَادَةِ ثَوَابٍ وَنُقْصَانِ عِقَابٍ.

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست