responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 230
وَهِيَ اسْتِشْعَارُ الْكَمَالِ - فَتَنْدَفِعُ بِأَنْ يَعْلَمَ الْمَمْدُوحُ أَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ فِي قَوْلِهِ كَمَا إِذَا مُدِحَ بِأَنَّهُ نَسِيبٌ أَوْ سَخِيٌّ أَوْ عَالِمٌ بِعِلْمٍ أَوْ مُتَوَرِّعٌ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ضِدَّ ذَلِكَ فَتَزُولُ اللَّذَّةُ الَّتِي سَبَبُهَا اسْتِشْعَارُ الْكَمَالِ، وَتَبْقَى لَذَّةُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى قَلْبِهِ وَعَلَى لِسَانِهِ، وَمَا بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَادِحَ لَيْسَ يَعْتَقِدُ مَا يَقُولُهُ وَيَعْلَمُ خُلُوَّهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَطَلَتِ اللَّذَّةُ الثَّانِيَةُ، وَهُوَ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَى قَلْبِهِ فَبَطَلَتِ اللَّذَّاتُ كُلُّهَا.

بَيَانُ عِلَاجِ حُبِّ الْجَاهِ:
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ حُبُّ الْجَاهِ صَارَ مَقْصُورَ الْهَمِّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخَلْقِ، مَشْغُوفًا بِالتَّوَدُّدِ إِلَيْهِمْ وَالْمُرَاءَاةِ لِأَجْلِهِمْ، وَلَا يَزَالُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُلْتَفِتًا إِلَى مَا يُعَظِّمُ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَهُمْ، وَذَلِكَ بَذْرُ النِّفَاقِ وَأَصْلُ الْفَسَادِ، وَيَجُرُّ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ إِلَى التَّسَاهُلِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُرَاءَاةِ بِهَا، وَإِلَى اقْتِحَامِ الْمَحْظُورَاتِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى اقْتِنَاصِ الْقُلُوبِ.
فَإِذَنْ حُبُّ الْجَاهِ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ فَيَجِبُ عِلَاجُهُ وَإِزَالَتُهُ عَنِ الْقَلْبِ، وَعِلَاجُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ: أَمَّا الْعِلْمُ فَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَحَبَّ الْجَاهَ، وَهُوَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ عَلَى قُلُوبِ النَّاسِ إِنْ صَفَا وَسُلِّمَ فَآخِرُهُ الْمَوْتُ فَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ بِهِ الدِّينَ الَّذِي هُوَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ الَّتِي لَا انْقِطَاعَ لَهَا.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِأَنْ يَأْنَسَ بِالْخُمُولِ لِيَسْقُطَ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَيَسْتَعِينَ عَلَيْهِ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْجَاهِ وَمَدْحِ الْخُمُولِ، وَيَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ السَّلَفِ وَإِيثَارِهِمْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ عَلَى زُخْرُفِ الدُّنْيَا.

بَيَانُ وَجْهِ الْعِلَاجِ لِحُبِّ الْمَدْحِ وَكَرَاهَةِ الذَّمِّ:
اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ إِنَّمَا هَلَكُوا بِخَوْفِ مَذَمَّةِ النَّاسِ وَحُبِّ مَدْحِهِمْ فَصَارَتْ حَرَكَاتُهُمْ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَا يُوَافِقُ رِضَا النَّاسِ رَجَاءً لِلْمَدْحِ وَخَوْفًا مِنَ الذَّمِّ، وَذَلِكَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ فَيَجِبُ مُعَالَجَتُهُ. وَطَرِيقُهُ مُلَاحَظَةُ الْأَسْبَابِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُحِبُّ الْمَدْحَ وَيَكْرَهُ الذَّمَّ: فَمِنَ الْأَسْبَابِ اسْتِشْعَارُ الْكَمَالِ بِسَبَبِ قَوْلِ الْمَادِحِ.
فَطَرِيقُكَ فِيهِ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى عَقْلِكَ وَتَقُولَ لِنَفْسِكَ: هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي يَمْدَحُكَ بِهَا أَنْتَ مُتَّصِفٌ بِهَا أَمْ لَا، فَإِنْ كُنْتَ مُتَّصِفًا بِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَالثَّرْوَةِ وَالْجَاهِ فَهَذِهِ لَا تَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ، فَالْفَرَحُ بِهَا كَالْفَرَحِ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ الَّذِي يَصِيرُ عَلَى الْقُرْبِ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، وَهَذَا مِنْ قِلَّةِ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ فَهَذِهِ وَإِنِ اسْتَحَقَّتِ الْمَدْحَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْفَرَحُ بِهَا ; لِأَنَّ الْخَاتِمَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ الَّتِي مُدِحْتَ بِهَا أَنْتَ خَالٍ عَنْهَا فَفَرَحُكَ بِالْمَدْحِ غَايَةُ الْجُنُونِ.
وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْحِشْمَةُ الَّتِي اضْطَرَّتِ الْمَادِحَ إِلَى الْمَدْحِ، وَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى قُدْرَةٍ عَارِضَةٍ لَا ثَبَاتَ لَهَا، وَلَا تَسْتَحِقُّ الْفَرَحَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَغُمَّكَ مَدْحُ الْمَادِحِ وَتَكْرَهَهُ وَتَغْضَبَ بِهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنِ السَّلَفِ ; لِأَنَّ آفَاتِ الْمَدْحِ عَلَى الْمَمْدُوحِ عَظِيمَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً لِلْمَادِحِ، «وَيْحَكَ قَصَمْتَ ظَهْرَهُ» .

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست