responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 227
يُؤَدِّيهَا وَلَكِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَخِيلٌ بِالطَّبْعِ، أَوِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ الْخَبِيثَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَطِيبُ قَلْبُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَطْيَبِ مَالِهِ أَوْ مِنْ وَسَطِهِ فَهَذَا كُلُّهُ بُخْلٌ.
وَمِنْ وَاجِبِ الْمُرُوءَةِ تَرْكُ الْمُضَايَقَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الْمُحَقَّرَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَقْبَحٌ، وَاسْتِقْبَاحُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَثُرَ مَالُهُ اسْتُقْبِحَ مِنْهُ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ مِنَ الْفَقِيرِ مِنَ الْمُضَايَقَةِ، وَيُسْتَقْبَحُ مِنَ الرَّجُلِ الْمُضَايَقَةُ مَعَ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ، مَا لَا يُسْتَقْبَحُ مِنَ الْأَجَانِبِ، وَيُسْتَقْبَحُ مِنَ الْجَارِ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ مِنَ الْبَعِيدِ، وَيُسْتَقْبَحُ فِي الضِّيَافَةِ مِنَ الْمُضَايَقَةِ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ فِي الْمُعَامَلَةِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَخِيلُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ إِمَّا بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَإِمَّا بِحُكْمِ الْمُرُوءَةِ، وَمَنْ أَدَّى وَاجِبَ الشَّرْعِ وَوَاجِبَ الْمُرُوءَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ فَقَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْبُخْلِ، نَعَمْ لَا يَتَّصِفُ بِصِفَةِ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ مَا لَمْ يَبْذُلْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ وَنَيْلِ الدَّرَجَاتِ، فَاصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ وَرَاءَ مَا تُوجِبُهُ الْعَادَةُ وَالْمُرُوءَةُ هُوَ الْجُودُ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا يَكُونَ عَنْ طَمَعٍ وَرَجَاءِ خِدْمَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ شُكْرٍ أَوْ ثَنَاءٍ، فَإِنَّ مَنْ طَمِعَ فِي الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ فَهُوَ بَيَّاعٌ وَلَيْسَ بِجَوَّادٍ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي الْمَدْحَ بِمَالِهِ، وَمِثْلُهُ مَنْ يَبْعَثُهُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ مِنَ الْهِجَاءِ أَوْ مَلَامَةِ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْجُودِ ; لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْبَوَاعِثِ وَهِيَ أَعْوَاضٌ مُعَجَّلَةٌ لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُعْتَاضٌ لَا جَوَّادٌ.

بَيَانُ عِلَاجِ الْبُخْلِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْبُخْلَ سَبَبُهُ حُبُّ الْمَالِ، وَلِحُبِّ الْمَالِ سَبَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: حُبُّ الشَّهَوَاتِ الَّتِي لَا وُصُولَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْمَالِ مَعَ طُولِ الْأَمَلِ.
الثَّانِي: أَنْ يُحِبَّ عَيْنَ الْمَالِ وَيَلْتَذَّ بِوُجُودِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ زَائِدٌ عَنْ حَاجَاتِهِ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ عِلَاجَ كُلِّ عِلَّةٍ بِمُضَادَّةِ سَبَبِهَا، فَيُعَالَجُ حُبُّ الشَّهَوَاتِ بِالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ وَبِالصَّبْرِ، وَيُعَالَجُ طُولُ الْأَمَلِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَالنَّظَرِ فِي مَوْتِ الْأَقْرَانِ وَطُولِ تَعَبِهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَضَيَاعِهِ بَعْدَهُمْ، وَيُعَالَجُ الْتِفَاتُ الْقَلْبِ إِلَى الْوَلَدِ بِأَنَّ خَالِقَهُ خَلَقَ مَعَهُ رِزْقَهُ، وَكَمْ مِنْ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْ مِنْ أَبِيهِ مَالًا، وَحَالُهُ أَحْسَنُ مِمَّنْ وَرِثَ، وَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَالَ لِوَلَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَتْرُكَ وَلَدَهُ بِخَيْرٍ وَيَنْقَلِبُ إِلَى شَرٍّ، وَيُعَالَجُ قَلْبُهُ أَيْضًا بِكَثْرَةِ التَّأَمُّلِ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْبُخْلِ وَمَدْحِ السَّخَاءِ وَمَا تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْبُخْلِ مِنَ الْعِقَابِ الْعَظِيمِ.
وَمِنَ الْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ: كَثْرَةُ التَّأَمُّلِ فِي أَحْوَالِ الْبُخَلَاءِ وَنَفْرَةُ الطَّبْعِ عَنْهُمْ وَاسْتِقْبَاحُهُمْ لَهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ بَخِيلٍ إِلَّا وَيَسْتَقْبِحُ الْبُخْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَسْتَثْقِلُ الْبَخِيلُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَثْقَلٌ وَمُسْتَقْذَرٌ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مِثْلُ سَائِرِ الْبُخَلَاءِ فِي قَلْبِهِ، وَيُعَالَجُ قَلْبُهُ أَيْضًا بِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِي مَقَاصِدِ الْمَالِ وَأَنَّهُ لِمَاذَا خُلِقَ فَلَا يَحْفَظُ مِنْهُ إِلَّا قَدْرَ حَاجَتِهِ وَالْبَاقِي يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ بَذْلِهِ.
فَهَذِهِ الْأَدْوِيَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ، فَإِذَا عَرَفَ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ أَنَّ الْبَذْلَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْإِمْسَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هَاجَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْبَذْلِ إِنْ كَانَ عَاقِلًا، فَإِذَا تَحَرَّكَتِ الشَّهْوَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ الْخَاطِرَ الْأَوَّلَ، وَلَا يَتَوَقَّفَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُهُ الْفَقْرَ وَيُخَوِّفُهُ وَيَصُدُّهُ عَنْهُ.

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست