responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 207
وَأَمَّا ثَمَرَةُ الْحَمِيَّةِ الضَّعِيفَةِ: فَقِلَّةُ الْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْحُرُمِ وَالزَّوْجَةِ، وَاحْتِمَالُ الذُّلِّ مِنَ الْأَخِسَّاءِ، وَصِغَرُ النَّفْسِ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْمُومٌ، إِذْ مِنْ ثَمَرَاتِهِ عَدَمُ الْغَيْرَةِ عَلَى الْحُرُمِ وَهُوَ صَوْنُهَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ سعدا لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْ سعد، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي» . وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الْغَيْرَةَ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ لَاخْتَلَطَتِ الْأَنْسَابُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: «كُلُّ أُمَّةٍ وُضِعَتِ الْغَيْرَةُ فِي رِجَالِهَا وُضِعَتِ الصِّيَانَةُ فِي نِسَائِهَا» .
وَمِنْ ضَعْفِ الْغَضَبِ: الْخَوَرُ وَالسُّكُوتُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) [النُّورِ: 2] .
فَفَقْدُ الْغَضَبِ مَذْمُومٌ، وَإِنَّمَا الْمَحْمُودُ غَضَبٌ يَنْتَظِرُ إِشَارَةَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، فَيَنْبَعِثُ حَيْثُ تَجِبُ الْحَمِيَّةُ، وَيَنْطَفِئُ حَيْثُ يَحْسُنُ الْحِلْمُ، وَحِفْظُهُ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، وَهُوَ الْوَسَطُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» .

زَوَالُ الْغَضَبِ بِالرِّيَاضَةِ وَغَيْرِهَا:
اعْلَمْ أَنَّهُ مَا دَامَ الْإِنْسَانُ يُحِبُّ شَيْئًا وَيَكْرَهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو مِنَ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى الطَّبْعِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تُفِيدُ الرِّيَاضَةُ فِي مَحْوِ قُوَّتِهِ، وَذَلِكَ بِالْمُجَاهَدَةِ، وَتَكَلُّفِ الْحِلْمِ، وَالِاحْتِمَالِ مُدَّةً حَتَّى يَصِيرَ الْحِلْمُ وَالِاحْتِمَالُ خُلُقًا رَاسِخًا، فَالرِّيَاضَةُ لَيْسَتْ لِيَنْعَدِمَ غَيْظُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَكِنْ لِيَسْتَعْمِلَهُ عَلَى حَدٍّ يَسْتَحِبُّهُ الشَّرْعُ وَيَسْتَحْسِنُهُ الْعَقْلُ، وَذَلِكَ بِكَسْرِ سَوْرَتِهِ وَتَضْعِيفِهِ حَتَّى لَا يَشْتَدَّ هَيَجَانُ الْغَيْظِ فِي الْبَاطِنِ، وَيَنْتَهِيَ ضَعْفُهُ إِلَى أَنْ لَا يَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْوَجْهِ.
وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَقْدُ الْغَيْظِ بِغَلَبَةِ نَظَرِ التَّوْحِيدِ، أَوْ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْهُ أَنْ لَا يَغْتَاظَ، فَتُطْفِئُ شِدَّةُ حُبِّهِ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْظَهُ، أَوْ بِأَنْ يَشْتَغِلَ الْقَلْبُ بِضَرُورِيٍّ أَهَمَّ مِنَ الْغَضَبِ، فَلَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ مُتَّسَعٌ لِلْغَضَبِ لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ اسْتِغْرَاقَ الْقَلْبِ بِبَعْضِ الْمُهِمَّاتِ يَمْنَعُ الْإِحْسَاسَ بِمَا عَدَاهُ.

بَيَانُ الْأَسْبَابِ الْمُهَيِّجَةِ لِلْغَضَبِ:
قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عِلَاجَ كُلِّ عِلَّةٍ بِحَسْمِ مَادَّتِهَا وَإِزَالَةِ أَسْبَابِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ الْغَضَبِ.
وَأَسْبَابُهُ الْمُهَيِّجَةُ لَهُ هِيَ: الزَّهْوُ، وَالْعُجْبُ، وَالْمِزَاحُ، وَالْهَزْلُ، وَالْهُزْءُ، وَالتَّعْيِيرُ، وَالْمُمَارَاةُ، وَالْمُضَادَّةُ، وَالْغَدْرُ، وَشِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى حُصُولِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَهِيَ بِأَجْمَعِهَا أَخْلَاقٌ رَدِيئَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، وَلَا خَلَاصَ مِنَ الْغَضَبِ مَعَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهَا بِأَضْدَادِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ تُمِيتَ الزَّهْوَ بِالتَّوَاضُعِ، وَتُمِيتَ الْعُجْبَ بِمَعْرِفَتِكَ بِنَفْسِكَ، وَتُزِيلَ الْفَخْرَ بِأَنَّكَ مِنْ جِنْسِ أَقَلِّ مَخْلُوقٍ، إِذِ النَّاسُ يَجْمَعُهُمْ فِي الِانْتِسَابِ أَبٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا الْفَخْرُ بِالْفَضَائِلِ، وَالْفَخْرُ وَالْعُجْبُ أَكْبَرُ الرَّذَائِلِ، وَأَمَّا الْمِزَاحُ فَتُزِيلُهُ بِالتَّشَاغُلِ بِالْمُهِمَّاتِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تَسْتَوْعِبُ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست