responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 206
يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ، وَلَا تَجْمَحُ بِهِ الْحَمِيَّةُ، وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَةٌ، وَلَا تَفْضَحُهُ بِطْنَةٌ، وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ، وَلَا تَقْصُرُ بِهِ نِيَّتُهُ، فَيَنْصُرُ الْمَظْلُومَ، وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ، وَلَا يَبْخَلُ، وَلَا يُبَذِّرُ، وَلَا يُسْرِفُ، وَلَا يُقَتِّرُ، يَغْفِرُ إِذَا ظُلِمَ، وَيَعْفُو عَنِ الْجَاهِلِ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ» .

دَرَجَاتُ النَّاسِ مَعَ الْغَضَبِ:
اعْلَمْ أَنَّ قُوَّةَ الْغَضَبِ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَمَعْنَاهَا غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، وَانْتِشَارُهُ فِي الْعُرُوقِ، وَارْتِفَاعُهُ إِلَى أَعَالِي الْبَدَنِ كَمَا تَرْتَفِعُ النَّارُ وَالْمَاءُ يَغْلِي فِي الْقِدْرِ، فَلِذَلِكَ يَنْصَبُّ إِلَى الْوَجْهِ فَيَحْمَرُّ الْوَجْهُ وَالْعَيْنُ، وَالْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ كَمَا تَحْكِي الزُّجَاجَةُ لَوْنَ مَا فِيهَا.
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْقُوَّةِ عَلَى دَرَجَاتٍ ثَلَاثٍ مِنَ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ وَالِاعْتِدَالِ:
أَمَّا التَّفْرِيطُ: فَفَقْدُ هَذِهِ الْقُوَّةِ أَوْ ضَعْفُهَا، وَذَلِكَ مَذْمُومٌ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: «إِنَّهُ لَا حَمِيَّةَ لَهُ» ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشِّدَّةِ وَالْحَمِيَّةِ فَقَالَ: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الْفَتْحِ: 29] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التَّوْبَةِ: 73، وَالتَّحْرِيمِ: 9] وَإِنَّمَا الْغِلْظَةُ وَالشِّدَّةُ مِنْ آثَارِ قُوَّةِ الْحَمِيَّةِ وَهُوَ الْغَضَبُ.
وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ: فَهُوَ أَنْ تَغْلِبَ هَذِهِ الصِّفَةُ حَتَّى تَخْرُجَ عَنْ سِيَاسَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَطَاعَتِهِ، وَلَا يَبْقَى لِلْمَرْءِ مَعَهُ بَصِيرَةٌ وَفِكْرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ، بَلْ يَصِيرُ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ، وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْغَضَبِ فِي الظَّاهِرِ: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، وَشِدَّةُ الرِّعْدَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَنِ التَّرْتِيبِ وَالنِّظَامِ، وَاضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ، حَتَّى يَظْهَرَ الزَّبَدُ عَلَى الْأَشْدَاقِ، وَتَحْمَرَّ الْأَحْدَاقُ، وَتَنْقَلِبَ الْمَنَاخِرُ، وَتَسْتَحِيلَ الْخِلْقَةُ.
وَلَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ فِي حَالِ غَضَبِهِ قُبْحَ صُورَتِهِ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ، وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ، وَقُبْحُ بَاطِنِهِ أَعْظَمُ مَنْ قُبْحِ ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا قَبُحَتْ صُورَةُ الْبَاطِنِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَشَرَ قُبْحُهَا إِلَى الظَّاهِرِ ثَانِيًا، فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ الْبَاطِنِ، فَقِسِ الْمُثْمِرَ بِالثَّمَرَةِ. فَهَذَا أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ: فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ، وَالْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَسْتَحِي مِنْهُ ذُو الْعَقْلِ، وَيَسْتَحِي مِنْهُ قَائِلُهُ عِنْدَ فُتُورِ الْغَضَبِ، وَذَلِكَ مَعَ تَخَبُّطِ النَّظْمِ وَاضْطِرَابِ اللَّفْظِ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ: فَالضَّرْبُ، وَالتَّهَجُّمُ، وَالتَّمْزِيقُ، وَالْقَتْلُ وَالْجَرْحُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ، وَقَدْ يُمَزِّقُ ثَوْبَ نَفْسِهِ، وَيَلْطُمُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَرُبَّمَا يَعْتَرِيهِ مِثْلُ الْغَشْيَةِ، وَرُبَّمَا يَضْرِبُ الْجَمَادَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ، أَوْ يَكْسِرُ الْقَصْعَةَ، أَوْ يَشْتُمُ الْبَهِيمَةَ، أَوْ تَرْفُسُهُ دَابَّةٌ فَيَرْفُسُهَا، وَيُقَابِلُهَا بِذَلِكَ كَالْمَجْنُونِ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْقَلْبِ: فَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ، وَإِضْمَارُ السُّوءِ، وَالشَّمَاتَةُ بِالْمَسَاءَاتِ، وَالْحُزْنُ بِالسُّرُورِ، وَالْعَزْمُ عَلَى إِفْشَاءِ السِّرِّ وَهَتْكِ السِّتْرِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ، فَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْغَضَبِ الْمُفْرِطِ.

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست