responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 199
الْمُعَاشَرَةِ، وَقَدْ يَغْضَبُ رُفَقَاؤُهُ، فَيَضْطَرُّ إِلَى أَنْ يَغْضَبَ لِغَضَبِهِمْ إِظْهَارًا لِلْمُسَاهَمَةِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَيَخُوضُ مَعَهُمْ فِي ذِكْرِ الْعُيُوبِ وَالْمَسَاوِئِ.
وَمِنْهَا: إِرَادَةُ التَّصَنُّعِ وَالْمُبَاهَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ بِتَنْقِيصِ غَيْرِهِ.
وَمِنْهَا: الْحَسَدُ يَحْسُدُ مَنْ يُثْنِي النَّاسُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ، فَيُرِيدُ زَوَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ، فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلَيْهِ إِلَّا بِالْقَدْحِ فِيهِ حَتَّى يَكُفُّوا عَنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَإِكْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: اللَّعِبُ وَالْهَزْلُ وَتَزْجِيَةُ الْوَقْتِ بِالضَّحِكِ، فَيَذْكُرُ عُيُوبَ غَيْرِهِ بِمَا يُضْحِكُ النَّاسَ عَلَى سَبِيلِ الْمُحَاكَاةِ وَالتَّعَجُّبِ.
وَمِنْهَا: السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ اسْتِحْقَارًا لَهُ، وَمَنْشَؤُهُ التَّكَبُّرُ وَاسْتِجْهَالُ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ.
وَثَمَّةَ أَسْبَابٌ غَامِضَةٌ فِيهَا دَسَائِسُ لِلشَّيْطَانِ، وَهِيَ أَنْ يُذْكَرَ إِنْسَانٌ فِي حَالَةِ التَّعَجُّبِ أَوِ الرَّحْمَةِ أَوِ الْغَضَبِ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ مَثَلًا: تَعَجَّبْتُ مِنْ فُلَانٍ كَيْفَ يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ فُلَانٍ وَهُوَ جَاهِلٌ! فَيَكُونُ تَعَجُّبُهُ مِنَ الْمُنْكَرِ لِصِدْقِهِ، أَوْ يَقُولُ: مِسْكِينٌ فُلَانٌ، غَمَّنِي أَمْرُهُ وَمَا ابْتُلِيَ بِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي الِاغْتِمَامِ، وَكَذَا قَدْ يَغْضَبُ عَلَى مُنْكَرٍ قَارَفَهُ إِنْسَانٌ فَيَظْهَرُ غَضَبُهُ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ سَتْرُ اسْمِهِ وَعَدَمُ إِظْهَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا عُذْرَ فِي ذِكْرِ الِاسْمِ فِي ذَلِكَ.

بَيَانُ الْعِلَاجِ الَّذِي بِهِ يُمْنَعُ اللِّسَانُ عَنِ الْغِيبَةِ:
اعْلَمْ أَنَّ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ كُلَّهَا إِنَّمَا تُعَالَجُ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. وَعِلَاجُ كَفِّ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ إِجْمَالًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِسَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا اغْتَابَ لِارْتِكَابِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَمَهْمَا آمَنَ الْعَبْدُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي الْغِيبَةِ لَمْ يُطْلِقْ لِسَانَهُ بِهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ، وَيَنْفَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَتَدَبَّرَ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا عَيْبًا اشْتَغَلَ بِعَيْبِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ» . وَمَهْمَا وَجَدَ عَيْبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِيَ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ ذَمَّ نَفْسِهِ وَيَذُمَّ غَيْرَهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ عَجْزَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي التَّنَزُّهِ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ كَعَجْزِهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا خِلْقِيًّا فَالذَّمُّ لَهُ ذَمٌّ لِلْخَالِقِ، فَإِنَّ مَنْ ذَمَّ صَنْعَةً فَقَدْ ذَمَّ صَانِعَهَا. وَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْعَبْدُ عَيْبًا فِي نَفْسِهِ فَلْيَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا يُلَوِّثَنَّ نَفْسَهُ بِأَعْظَمِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ ثَلْبَ النَّاسِ وَأَكْلَ لَحْمِ الْمَيْتَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُيُوبِ، بَلْ لَوْ أَنْصَفَ لَعَلِمَ أَنَّ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ جَهْلٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ. وَيَنْفَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ تَأَلُّمَ غَيْرِهِ بِغِيبَتِهِ كَتَأَلُّمِهِ بِغِيبَةِ غَيْرِهِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُغْتَابَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْضَى لِغَيْرِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ انْكَفَّ عَنِ الْغِيبَةِ لِسَانُهُ.

بَيَانُ تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ بِسُوءِ الظَّنِّ:
اعْلَمْ أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ حَرَامٌ مِثْلُ سُوءِ الْقَوْلِ، فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تُحَدِّثَ غَيْرَكَ بِلِسَانِكَ بِمَسَاوِئِ الْغَيْرِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَ نَفْسَكَ وَتُسِيءَ الظَّنَّ بِأَخِيكَ، وَلَسْتُ أَعْنِي بِهِ إِلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ وَحُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ ظَنًّا بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، فَأَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَكِنَّ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 199
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست