responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 184
وَقَالَتِ امْرَأَةٌ «لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ» رَحِمَهُ اللَّهُ: «يَا مُرَائِي» ، فَقَالَ: «يَا هَذِهِ وَجَدْتِ اسْمِي الَّذِي أَضَلَّهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ» .
فَهَذِهِ نُفُوسٌ قَدْ ذُلِّلَتْ بِالرِّيَاضَةِ، فَاعْتَدَلَتْ أَخْلَاقُهَا، وَنُقِّيَتْ مِنَ الْغِشِّ وَالْغِلِّ وَالْحِقْدِ بَوَاطِنُهَا، فَأَثْمَرَتِ الرِّضَا بِكُلِّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ مُنْتَهَى حُسْنِ الْخُلُقِ. فَمَنْ لَمْ يُصَادِفْ مِنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْتَرَّ بِنَفْسِهِ فَيَظُنَّ بِهَا حُسْنَ الْخُلُقِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ دَرَجَةَ حُسْنِ الْخُلُقِ، فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ لَا يَنَالُهَا إِلَّا الْمُقَرَّبُونَ وَالصِّدِّيقُونَ.

بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ فِي أَوَّلِ نُشُوئِهِمْ وَوَجْهُ تَأْدِيبِهِمْ وَتَحْسِينِ أَخْلَاقِهِمْ:
اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا، وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ، وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَارَكَهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التَّحْرِيمِ: 6] وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَلَا يُعِوِّدُهُ التَّنَعُّمَ، وَلَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ، فَيَضِيعُ عُمْرُهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ، فَلَا يَسْتَعْمِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إِلَّا امْرَأَةً صَالِحَةً مُتَدَيِّنَةً تَأْكُلُ الْحَلَالَ. وَمَهْمَا رَأَى فِيهِ مَخَايِلَ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِدَالِ الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ، فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ، بَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِحَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ. وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ: شَرَهُ الطَّعَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الطَّعَامَ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ: «بِسْمِ اللَّهِ» عِنْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ، وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يُحَدِّقَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مَنْ يَأْكُلُ، وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الْأَكْلِ، وَأَنْ يُجِيدَ الْمَضْغَ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ اللُّقَمِ، وَلَا يُلَطِّخَ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ، وَأَنْ يُعَوَّدَ الْخُبْزَ الْقَفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يَرَى الْأُدْمَ حَتْمًا، وَأَنْ يُقَبَّحَ عِنْدَهُ كَثْرَةُ الْأَكْلِ، بِأَنْ يُشَبَّهَ كُلُّ مَنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ، وَبِأَنْ يُذَمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ، وَيُمْدَحُ عِنْدَهُ الصَّبِيُّ الْمُتَأَدِّبُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ، وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ، وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ، وَالْقَنَاعَةُ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 184
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست