responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 182
مُفْصِحًا عَنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ السَّيِّئَةَ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ لَدَّاغَةٌ، فَلَوْ نَبَّهَنَا مُنَبِّهٌ عَلَى أَنَّ تَحْتَ ثَوْبِنَا عَقْرَبًا لَتَقَلَّدْنَا مِنْهُ مِنَّةً وَفَرِحْنَا بِهِ، وَاشْتَغَلْنَا بِإِزَالَةِ الْعَقْرَبِ وَقَتْلِهَا، وَإِنَّمَا نِكَايَتُهَا عَلَى الْبَدَنِ، وَلَا يَدُومُ أَلَمُهَا يَوْمًا فَمَا دُونَهُ، وَنِكَايَةُ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ عَلَى صَمِيمِ الْقَلْبِ أَخْشَى أَنْ تَدُومَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَبَدَ الْآبَادِ، ثُمَّ إِنَّا لَا نَفْرَحُ بِمَنْ يُنَبِّهُنَا عَلَيْهَا، وَلَا نَشْتَغِلُ بِإِزَالَتِهَا، بَلْ نَشْتَغِلُ بِمُقَابَلَةِ النَّاصِحِ بِمِثْلِ مَقَالَتِهِ، فَنَقُولُ لَهُ: «وَأَنْتَ أَيْضًا تَصْنَعُ كَيْتَ وَكَيْتَ» وَتَشْغَلُنَا الْعَدَاوَةُ مَعَهُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِنُصْحِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَسَاوَةِ الْقَلْبِ الَّتِي أَثْمَرَتْهَا كَثْرَةُ الذُّنُوبِ، وَأَصْلُ كُلِّ ذَلِكَ ضَعْفُ الْإِيمَانِ. فَنَسْأَلُ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَيُبَصِّرَنَا بِعُيُوبِنَا، وَيَشْغَلَنَا بِمُدَاوَاتِهَا، وَيُوَفِّقَنَا لِلْقِيَامِ بِشُكْرِ مَنْ يُطْلِعُنَا عَلَى مَسَاوِينَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَفِيدَ مَعْرِفَةَ عُيُوبِ نَفْسِهِ مِنْ أَلْسِنَةِ أَعْدَائِهِ،
فَإِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا
، وَلَعَلَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِعَدُوٍّ مُشَاحِنٍ يَذْكُرُ عُيُوبَهُ أَكْثَرُ مِنِ انْتِفَاعِهِ بِصَدِيقٍ مُدَاهِنٍ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَمْدَحُهُ، وَيُخْفِي عَنْهُ عُيُوبَهُ، إِلَّا أَنَّ الطَّبْعَ مَجْبُولٌ عَلَى تَكْذِيبِ الْعَدُوِّ وَحَمْلِ مَا يَقُولُهُ عَلَى الْحَسَدِ، وَلَكِنَّ الْبَصِيرَ لَا يَخْلُو عَنِ الِانْتِفَاعِ بِقَوْلِ أَعْدَائِهِ، فَإِنَّ مَسَاوِيَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَنْتَشِرَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ، فَكُلُّ مَا رَآهُ مَذْمُومًا فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ فَلْيُطَالِبْ نَفْسَهُ بِهِ وَيَنْسُبْهَا إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، فَيَرَى مِنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الطِّبَاعَ مُتَقَارِبَةٌ فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمَا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَنْفَكُّ هُوَ عَنْ أَصْلِهِ أَوْ عَنْ أَعْظَمَ مِنْهُ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلْيَتَفَقَّدْ نَفْسَهُ وَيُطَهِّرْهَا عَنْ كُلِّ مَا يَذُمُّهُ مَنْ غَيْرِهِ، وَنَاهِيكَ بِهَذَا تَأْدِيبًا، فَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَا يَكْرَهُونَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَاسْتَغْنَوْا عَنِ الْمُؤَدِّبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِيَلِ مَنْ فَقَدَ شَيْخًا مُرَبِّيًا نَاصِحًا فِي الدِّينِ، وَإِلَّا فَمَنْ وَجَدَهُ فَقَدْ وَجَدَ الطَّبِيبَ، فَلْيُلَازِمْهُ؛ فَإِنَّهُ يُخَلِّصُهُ مِنْ مَرَضِهِ.

بَيَانُ تَمْيِيزِ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ:
اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ جَاهِلٍ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَإِذَا جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مُجَاهَدَةٍ حَتَّى تَرَكَ فَوَاحِشَ الْمَعَاصِي، رُبَّمَا يَظُنُّ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَذَّبَ نَفْسَهُ، وَحَسَّنَ خُلُقَهُ، وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمُجَاهَدَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِيضَاحِ عَلَامَةِ حُسْنِ الْخُلُقِ، فَإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ هُوَ الْإِيمَانُ، وَسُوءَ الْخُلُقِ هُوَ النِّفَاقُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ بِجُمْلَتِهَا ثَمَرَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَسُوءِ الْخُلُقِ، فَلْنُورِدْ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ آيَةَ حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الْمُؤْمِنُونَ: 1 - 11] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست