responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 181
فَكَذَلِكَ الرَّذِيلَةُ الَّتِي هِيَ مَرَضُ الْقَلْبِ، عِلَاجُهَا بِضِدِّهَا، فَيُعَالَجُ مَرَضُ الْجَهْلِ بِالتَّعَلُّمِ، وَمَرَضُ الْبُخْلِ بِالتَّسَخِّي، وَمَرَضُ الْكِبْرِ بِالتَّوَاضُعِ، وَمَرَضُ الشَّرَهِ بِالْكَفِّ عَنِ الْمُشْتَهَى تَكَلُّفًا. وَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِاحْتِمَالِ لِمَرَارَةِ الدَّوَاءِ وَشِدَّةِ الصَّبْرِ عَلَى الْمُشْتَهَيَاتِ لِعِلَاجِ الْأَبْدَانِ الْمَرِيضَةِ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنِ احْتِمَالِ مَرَارَةِ الْمُجَاهَدَةِ وَالصَّبْرِ لِمُدَاوَاةِ مَرَضِ الْقَلْبِ، بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ مَرَضَ الْبَدَنِ يَخْلُصُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ، وَمَرَضُ الْقَلْبِ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى - مَرَضٌ يَدُومُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَبَدَ الْآبَادِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالطَّرِيقُ الْكُلِّيُّ فِي مُعَالَجَةِ الْقُلُوبِ هُوَ سُلُوكُ مَسْلَكِ الْمُضَادَّةِ لِكُلِّ مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ وَتَمِيلُ إِلَيْهِ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النَّازِعَاتِ: 40، 41] . وَالْأَصْلُ الْمُهِمُّ فِي الْمُجَاهَدَةِ الْوَفَاءُ بِالْعَزْمِ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ شَهْوَةٍ فَقَدْ تَيَسَّرَتْ أَسْبَابُهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتِبَارًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ وَيَسْتَمِرَّ، فَإِنَّهُ إِنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ تَرْكَ الْعَزْمِ أَلِفَتْ ذَلِكَ فَفَسَدَتْ، عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَسَادِهَا.

بَيَانُ الطَّرِيقِ الَّذِي يَعْرِفُ بِهِ الْإِنْسَانُ عُيُوبَ نَفْسِهِ:
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَمَنْ كَانَتْ بَصِيرَتُهُ نَافِذَةً لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ عُيُوبُهُ، فَإِذَا عَرَفَ الْعُيُوبَ أَمْكَنَهُ الْعِلَاجُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ جَاهِلُونَ بِعُيُوبِ أَنْفُسِهِمْ، يَرَى أَحَدُهُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَلَا يَرَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِ نَفْسِهِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ عُيُوبَ نَفْسِهِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ:
[الطَّرِيقُ] الْأَوَّلُ: أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخٍ بَصِيرٍ بِعُيُوبِ النَّفْسِ، مُطَّلِعٍ عَلَى خَفَايَا الْآفَاتِ وَيَتْبَعُ إِشَارَتَهُ فِي مُجَاهَدَتِهِ، وَهَذَا شَأْنُ التِّلْمِيذِ مَعَ أُسْتَاذِهِ، فَيُعَرِّفُهُ أُسْتَاذُهُ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيُعَرِّفُهُ طَرِيقَ عِلَاجِهِ.
[الطَّرِيقُ] الثَّانِي: أَنْ يَطْلُبَ صَدِيقًا صَدُوقًا بَصِيرًا مُتَدَيِّنًا يُلَاحِظُ أَحْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ، فَمَا كَرِهَ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَعُيُوبِهِ يُنَبِّهُهُ عَلَيْهِ، فَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْأَكَابِرُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، كَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي» ، وَكَانَ يَسْأَلُ حذيفة وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُنَافِقِينَ فَهَلْ تَرَى عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ آثَارِ النِّفَاقِ؟ فَهُوَ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَعُلُوِّ مَنْصِبِهِ هَكَذَا كَانَتْ تُهْمَتُهُ لِنَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَوْفَرَ عَقْلًا وَأَعْلَى مَنْصِبًا، كَانَ أَقَلَّ إِعْجَابًا وَأَعْظَمَ اتِّهَامًا لِنَفْسِهِ وَفَرَحًا بِتَنْبِيهِ غَيْرِهِ عَلَى عُيُوبِهِ، وَقَدْ آلَ الْأَمْرُ فِي أَمْثَالِنَا إِلَى أَنَّ أَبْغَضَ الْخَلْقِ إِلَيْنَا مَنْ يَنْصَحُنَا وَيُعَرِّفُنَا عُيُوبَنَا، وَيَكَادُ هَذَا أَنْ يَكُونَ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست