responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 177
يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ثُبُوتَ رُسُوخٍ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ الْأَفْعَالُ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَلَّفَ بَذْلَ الْمَالِ أَوِ السُّكُوتَ عِنْدَ الْغَضَبِ بِجُهْدٍ وَرَوِيَّةٍ لَا يُقَالُ: خُلُقُهُ السَّخَاءُ وَالْحِلْمُ.
وَأُمَّهَاتُ الْأَخْلَاقِ وَأُصُولُهَا أَرْبَعَةٌ: الْحِكْمَةُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعِفَّةُ، وَالْعَدْلُ.
وَنَعْنِي بِالْحِكْمَةِ حَالَةً لِلنَّفْسِ بِهَا يُدْرَكُ الصَّوَابُ مِنَ الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.
وَنَعْنِي بِالْعَدْلِ حَالَةً لِلنَّفْسِ وَقُوَّةً، بِهَا يَسُوسُ الْغَضَبَ وَالشَّهْوَةَ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَيَضْبِطُهَا فِي الِاسْتِرْسَالِ وَالِانْقِبَاضِ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَاهَا.
وَنَعْنِي بِالشَّجَاعَةِ كَوْنَ قُوَّةِ الْغَضَبِ مُنْقَادَةً لِلْعَقْلِ فِي إِقْدَامِهَا وَإِحْجَامِهَا.
وَنَعْنِي بِالْعِفَّةِ تَأَدُّبَ قُوَّةِ الشَّهْوَةِ بِتَأْدِيبِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.
فَمِنِ اعْتِدَالِ هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ تَصْدُرُ الْأَخْلَاقُ الْجَمِيلَةُ كُلُّهَا، وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ فِي أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الْحُجُرَاتِ: 15] فَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِيَابٍ هِيَ الْقُوَّةُ الْيَقِينُ، وَهِيَ ثَمَرَةُ الْعَقْلِ وَمُنْتَهَى الْحِكْمَةِ، وَالْمُجَاهَدَةُ بِالْمَالِ هُوَ السَّخَاءُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى ضَبْطِ قُوَّةِ الشَّهْوَةِ، وَالْمُجَاهَدَةُ بِالنَّفْسِ هِيَ الشَّجَاعَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى اسْتِعْمَالِ قُوَّةِ الْغَضَبِ عَلَى شَرْطِ الْعَقْلِ وَحَدِّ الِاعْتِدَالِ، فَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّحَابَةَ فَقَالَ: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الْفَتْحِ: 29] إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لِلشِّدَّةِ مَوْضِعًا وَلِلرَّحْمَةِ مَوْضِعًا، فَلَيْسَ الْكَمَالُ فِي الشِّدَّةِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا فِي الرَّحْمَةِ بِكُلِّ حَالٍ.

بَيَانُ قَبُولِ الْأَخْلَاقِ لِلتَّغْيِيرِ بِطَرِيقِ الرِّيَاضَةِ:
اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْبَطَالَةُ اسْتَثْقَلَ الْمُجَاهَدَةَ وَالرِّيَاضَةَ، وَالِاشْتِغَالَ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ، فَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَنَقْصِهِ، وَخُبْثِ دُخْلَتِهِ، فَزَعَمَ أَنَّ الْأَخْلَاقَ لَا يُتَصَوَّرُ تَغْيِيرُهَا، فَإِنَّ الطِّبَاعَ لَا تَتَغَيَّرُ، فَنَقُولُ: لَوْ كَانَتِ الْأَخْلَاقُ لَا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ لَبَطَلَتِ الْوَصَايَا وَالْمَوَاعِظُ وَالتَّأْدِيبَاتُ، وَلَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ» .
وَكَيْفَ يُنْكَرُ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَتَغْيِيرُ خُلُقِ الْبَهِيمَةِ مُمْكِنٌ، إِذْ يُنْقَلُ الْبَازِي مِنَ الِاسْتِيحَاشِ إِلَى الْأُنْسِ، وَالْفَرَسُ مِنَ الْجِمَاحِ إِلَى السَّلَاسَةِ وَالِانْقِيَادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلْأَخْلَاقِ، وَالْقَوْلُ الْكَاشِفُ لِلْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: الْمَوْجُودَاتُ مُنْقَسِمَةٌ:
إِلَى مَا لَا مَدْخَلَ لِلْآدَمِيِّ وَاخْتِيَارِهِ فِي أَصْلِهِ وَتَفْصِيلِهِ، كَالسَّمَاءِ وَالْكَوَاكِبِ، بَلْ أَعْضَاءُ الْبَدَنِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَسَائِرُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانَاتِ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا هُوَ حَاصِلٌ كَامِلٌ وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ وُجُودِهِ وَكَمَالِهِ.
وَإِلَى مَا وُجِدَ وُجُودًا نَاقِصًا وَجُعِلَ فِيهِ قُوَّةٌ لِقَبُولِ الْكَمَالِ بَعْدَ أَنْ وُجِدَ شَرْطُهُ، وَشَرْطُهُ قَدْ يَرْتَبِطُ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ النَّوَاةَ لَيْسَ بِتُفَّاحٍ وَلَا نَخْلٍ، إِلَّا أَنَّهَا خُلِقَتْ خِلْقَةً يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ نَخْلَةً إِذَا انْضَافَ التَّرْبِيَةُ إِلَيْهَا، وَلَا تَصِيرُ تُفَّاحًا أَصْلًا وَلَا بِالتَّرْبِيَةِ، فَإِذَا صَارَتِ النَّوَاةُ مُتَأَثِّرَةً بِالِاخْتِيَارِ حَتَّى تَقْبَلَ بَعْضَ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَكَذَلِكَ الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ لَوْ أَرَدْنَا قَمْعَهُمَا وَقَهْرَهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمَا أَثَرٌ لَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَوْ أَرَدْنَا سَلَاسَتَهُمَا وَقَوْدَهُمَا بِالرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 177
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست