responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 171
بِهِمْ كَأَنَّهُ أَحَدُهُمْ فَيَأْتِي الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ مَعَ النَّاسِ إِنْ تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْآخِرَةِ أَخَذَ مَعَهُمْ، وَإِنْ تَحَدَّثُوا فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ رِفْقًا بِهِمْ وَتَوَاضُعًا لَهُمْ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحْيَانًا وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَضْحَكُونَ فَيَبْتَسِمُ هُوَ إِذَا ضَحِكُوا وَلَا يَزْجُرُهُمْ إِلَّا عَنْ حَرَامٍ.

خِلْقَتُهُ الْكَرِيمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْآدَمِ وَلَا الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، وَكَانَ شَعْرُهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ يَضْرِبُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، لَمْ يَبْلُغْ شَيْبُهُ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي رَأْسِهِ وَلَا فِي لِحْيَتِهِ، وَكَانَ وَاسِعَ الْجَبْهَةِ أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ سَابِغَهُمَا أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ كَثَّ اللِّحْيَةِ، وَكَانَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَكَانَ عَظِيمَ الْمَنْكِبَيْنِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَكَانَ يَمْشِي الْهُوَيْنَا كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ.

شَذْرَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْغَى إِلَى سَمَاعِ أَخْبَارِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ وَعَادَاتِهِ وَسَجَايَاهُ وَسِيَاسَتِهِ لِأَصْنَافِ الْخَلْقِ وَهِدَايَتِهِ إِلَى ضَبْطِهِمْ وَتَأَلُّفِهِ أَصْنَافَ الْخَلْقِ وَقَوْدِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ مَعَ مَا يُرْوَى عَنْ عَجَائِبِ أَجْوِبَتِهِ فِي مَضَايِقِ الْأَسْئِلَةِ وَبَدَائِعِ تَدْبِيرَاتِهِ فِي مَصَالِحِ الْخَلْقِ وَمَحَاسِنِ إِشَارَتِهِ فِي تَفْصِيلِ ظَاهِرِ الشَّرْعِ الَّذِي يَعْجِزُ الْعُقَلَاءُ عَنْ إِدْرَاكِ أَوَائِلِ دَقَائِقِهَا فِي طُولِ أَعْمَارِهِمْ، لَمْ يَبْقَ لَهُ رَيْبٌ وَلَا شَكٌّ فِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتِمْدَادٌ مِنْ تَأْيِيدٍ سَمَاوِيٍّ وَقُوَّةٍ إِلَهِيَّةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِمُفْتَرٍ وَلَا مُلَبِّسٍ، بَلْ كَانَتْ شَمَائِلُهُ وَأَحْوَالُهُ شَوَاهِدَ قَاطِعَةً بِصِدْقِهِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَبِيَّ الْقُحَّ كَانَ يَرَاهُ فَيَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا هَذَا وَجْهُ كَذَّابٍ» ، فَكَانَ يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ بِمُجَرَّدِ شَمَائِلِهِ، فَكَيْفَ مَنْ شَاهَدَ أَخْلَاقَهُ وَمَارَسَ أَحْوَالَهُ فِي جَمِيعِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ؟ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا بَعْضَ أَخْلَاقِهِ لِتُعْرَفَ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ، وَلِيُتَنَبَّهَ لِصِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُلُوِّ مَنْصِبِهِ وَمَكَانَتِهِ الْعَظِيمَةِ عِنْدَ اللَّهِ، إِذْ آتَاهُ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ أُمِّيٌّ لَمْ يُمَارِسِ الْعِلْمَ وَلَمْ يُطَالِعِ الْكُتُبَ وَلَمْ يُسَافِرْ قَطُّ فِي طَلَبِ عِلْمٍ، بَلْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْجُهَّالِ مِنَ الْأَعْرَابِ يَتِيمًا ضَعِيفًا مُسْتَضْعَفًا، فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَ لَهُ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَمَعْرِفَةُ مَصَالِحِ الْفِقْهِ مَثَلًا دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ النُّبُوَّةِ لَوْلَا صَرِيحُ الْوَحْيِ، وَمِنْ أَيْنَ لِقُوَّةِ الْبَشَرِ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ لَكَفَى. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ آيَاتِهِ وَمُعْجِزَاتِهِ مَا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مُحَصِّلٌ، فَلْنَذْكُرْ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ فَنَقُولُ: اسْتَفَاضَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ النَّفَرَ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ فِي مَنْزِلِ «جابر» وَمَنْزِلِ «أبي طلحة» وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ. وَمَرَّةً أَطْعَمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَقْرَاصِ شَعِيرٍ حَمَلَهَا أَنَسٌ فِي يَدِهِ فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَفَضَلَ لَهُمْ، وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَشَرِبَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ كُلُّهُمْ وَهُمْ عِطَاشٌ، وَتَوَضَّؤُوا مِنْ قَدَحٍ صَغِيرٍ ضَاقَ عَنْ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَهُ فِيهِ، وَأَرَاقَ وَضُوءَهُ فِي عَيْنِ تَبُوكَ وَلَا مَاءَ فِيهَا وَمَرَّةً أُخْرَى فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاشَتَا

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 171
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست