responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 167
بُرٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى إِيثَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا فَقْرًا وَلَا بُخْلًا. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا وَأَسْكَنَهُمْ فِي غَيْرِ كِبْرٍ، وَأَبْلَغَهُمْ فِي غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَأَحْسَنَهُمْ بِشْرًا، لَا يَهُولُهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ يَلْبَسُهُ فِي خِنْصَرِهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ، يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ. يَعُودُ الْمَرْضَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ. يُحِبُّ الطِّيبَ، وَيُجَالِسُ الْفُقَرَاءَ، وَيُؤَاكِلُ الْمَسَاكِينَ وَيُكْرِمُ أَهْلَ الْفَضْلِ، وَيَتَأَلَّفُ أَهْلَ الشَّرَفِ بِالْبِرِّ لَهُمْ، يَصِلُ رَحِمَهُ وَلَا يَجْفُو عَلَى أَحَدٍ. يَقْبَلُ مَعْذِرَةَ الْمُعْتَذِرِ إِلَيْهِ. يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ مِنْ غَيْرِ قَهْقَهَةٍ. يَرَى اللَّعِبَ الْمُبَاحَ فَلَا يُنْكِرُهُ، يُسَابِقُ أَهْلَهُ، وَتُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ عَلَيْهِ مِنَ الْجُفَاةِ فَيَصْبِرُ، لَمْ يَرْتَفِعْ عَلَى عَبِيدِهِ فِي مَأْكَلٍ وَلَا مَلْبَسٍ، لَا يَمْضِي لَهُ وَقْتٌ فِي غَيْرِ عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ صَلَاحِ نَفْسِهِ، يَخْرُجُ إِلَى بَسَاتِينِ أَصْحَابِهِ، لَا يَحْتَقِرُ مِسْكِينًا لِفَقْرِهِ، وَلَا يَهَابُ مَلِكًا لِمُلْكِهِ، يَدْعُو هَذَا وَهَذَا إِلَى اللَّهِ دُعَاءً مُسْتَوِيًا. قَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ السِّيرَةَ الْفَاضِلَةَ وَالسِّيَاسَةَ التَّامَّةَ وَهُوَ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. نَشَأَ فِي بِلَادِ الْجَهْلِ وَالصَّحَارِي فِي فَقْرٍ وَفِي رِعَايَةِ الْغَنَمِ يَتِيمًا لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ فَعَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَالطُّرُقِ الْحَمِيدَةِ وَأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَمَا فِيهِ النَّجَاةُ وَالْفَوْزُ فِي الْآخِرَةِ وَالْغِبْطَةُ وَالْخَلَاصُ فِي الدُّنْيَا. وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ فِي أَمْرِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ، آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

بَيَانُ جُمْلَةٍ أُخْرَى مِنْ آدَابِهِ وَأَخْلَاقِهِ:
مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا ضَرَبَ بِيَدِهِ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا انْتَقَمَ مِنْ شَيْءٍ صُنِعَ إِلَيْهِ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِثْمٌ أَوْ قَطِيعَةُ رَحِمٍ فَيَكُونُ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ يَأْتِيهِ أَحَدٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ إِلَّا قَامَ مَعَهُ فِي حَاجَتِهِ، وَقَالَ «أنس» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا قَالَ لِي فِي شَيْءٍ قَطُّ كَرِهَهُ لِمَ فَعَلْتَهُ وَلَا لَامَنِي نِسَاؤُهُ إِلَّا قَالَ دَعُوهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ» . وَكَانَ مِنْ خُلُقِهِ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ. وَمَنْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ بَدَأَهُ بِالْمُصَافَحَةِ، وَكَانَ لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَكَانَ لَا يَجْلِسُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا خَفَّفَ صَلَاتَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «أَلَكَ حَاجَةٌ» ؟ وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ مَجْلِسُهُ مِنْ مَجْلِسِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ جَلَسَ، وَكَانَ يُكْرِمُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ حَتَّى رُبَّمَا بَسَطَ لَهُ ثَوْبَهُ يُجْلِسُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُؤْثِرُ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ بِالْوِسَادَةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَكَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى كَأَنَّ مَجْلِسَهُ وَسَمْعَهُ وَحَدِيثَهُ وَلَطِيفَ مَجْلِسِهِ وَتَوَجُّهِهِ لِلْجَالِسِ إِلَيْهِ، وَمَجْلِسُهُ مَعَ ذَلِكَ حَيَاءٌ وَتَوَاضُعٌ وَأَمَانَةٌ، قَالَ تَعَالَى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آلِ عِمْرَانَ: 159] وَلَقَدْ كَانَ يَدْعُو أَصْحَابَهُ بِكُنَاهُمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَاسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ وَيُكَنِّي مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ كُنْيَةً فَكَانَ يُدْعَى بِمَا كَنَّاهُ بِهَا، وَيُكَنِّي أَيْضًا النِّسَاءَ اللَّاتِي لَهُنَّ الْأَوْلَادُ وَاللَّاتِي لَمْ يَلِدْنَ، وَيُكَنِّي أَيْضًا الصِّبْيَانَ فَيَسْتَلِينُ بِهِ قُلُوبَهُمْ، وَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ غَضَبًا وَأَسْرَعَهُمْ رِضَاءً، وَكَانَ أَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ وَخَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست