ولما أظهر للخضر عليه السلام حرصه على العلم، وطّنه بقوله: ((إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)) [الكهف:67] ، وهذا أدب من العالم أن ينصح لطالب العلم، قال له موسى "سأصبر" ((سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)) [الكهف:69] ، علّق الصبر على المشيئة، ولم يعلّقه على قوته وحوله، من منا اليوم يقول هذا لمن يتعلّم منه، سأصبر ولا أعصي لك أمراً، ولذلك لما فقدنا الذلة للعلم فقدنا روح العلم، تجد العلم ولكن لا تجد روحانية هذا العلم في القلوب.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم، إمام من أئمة السلف، كان آية في علم القرآن وتفسيره، حتى صار يحتج بأقواله في تفسير القرآن، وكذلك في اللغة والشعر، يقول رحمه الله: لما تعبت في تحصيل العلم، كنت أكدح، أسهر الليل، وأتعب النهار، وأجد المشقة، فإذا وجدت الحكمة والفائدة من العلم، نسيت ما وجدت من التعب، كل التعب يهون عندما أجد الحكمة.
وقال الإمام أبو حاتم [1] [39] ) رحمه الله: مضت علينا أيام لم نطعم فيها مرقاً، فمن كثرة الدروس وحضور مجالس العلماء لا يجدون وقتاً لطبخ اللحم وشرب مرقته من جدّهم واجتهادهم في التحصيل، نسوا حتى حظوظ أنفسهم –رحمة الله عليهم-.
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه حين قدم المدينة مهاجراً، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر لم ينتظر ولم يهدأ له بال، حتى لحق به صلى الله عليه وسلم بخيبر، إنها همة هذا الصحابي الجليل التي كانت ثمرتها أن أصبح بعد سنوات وعاء مليء علماً وحكمة، ومن المكثرين من رواية سنن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبح اسمه يذكر اليوم كثيراً على المنابر وفي مجامع الناس، وكفى بهذا الذكر شرفاً، ناهيك عن الدعوات وعن أجر كل سنة يعمل بها من بعده وما أعدّه الله له من الكرامة [2] [40] ) . [1] 39] ) انظر تمام قصته في مقدمة كتابه (الجرح والتعديل) . [2] 40] ) من دروس شرح عمدة الأحكام، للشيخ محمد.