كان ابن عباس رضي الله عنهما يغدو إلى زيد بن ثابت فينام على عتبة بابه..! ينام في الظهيرة وينام في السحر، يُرى الله منه الجدّ، ويشهده على صدق رغبته في العلم، وهذا لو تأملناه لوجدنا فيه فوائد عظيمة، ذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يرضَ لنفسه أن يشارك طلاب العلم، فيأتي ويحضر معهم إلى المجلس، ولكن غدا إلى بيت العالم، فمضى إلى زيد بن ثابت، وكان ينام على بابه، فإذا خرج زيد ربما أشفق عليه –رضي الله عنهما وأرضاهما-.
وثبت عنه أنه كان إذا ركب زيدٌ على دابته أخذ بخطام الدابة، فيقول له: أتفعل وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول له ابن عباس: نعم، أنت من أهل العلم بكتاب الله عز وجل.
وكان زيد ممن كتب القرآن وحفظه وعلم حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه –رضي الله عنه وأرضاه-.
ولما دفن زيد، بكى أبو هريرة وقال [1] [25] ) قولته المشهورة: لقد دفن الناس اليوم علماً كثيراً.. ولكن لعل الله أن يجعل في ابن عباس خلفاً من ذلك العلم..؛ لأن ابن عباس حفظ عن زيد، وكان كثير الحرص على التبكير إلى مجلس العلم.
المَعْلَمْ الثاني: الدنو والقرب من العلماء، والجلوس جلسة الموقر لمجلس العلم المتلهف عليه:
كن قريباً إلى العالم، حتى إذا دنوت منه أشِعره بالإجلال، تجلس جلوس [2] [26] ) المتأدب، جلوس من يتذلل للعالم، ويظهر له أن يحبه وأنه يجله. [1] 25] ) رويت قولة مثلها عن ابن عباس في زيد في المصنف لابن أبي شيبة (3/57) وعند الحاكم في المستدرك (3/428) ، وأما عن أبي هريرة فلم أهتدِ إليها. [2] 26] ) من محاضرة حلية طالب العلم، للشيخ محمد –سلّمه الله-.