قال بعض العلماء: أخشى على من أساء الأدب في مجلس العالم أن يحبط علمه وهو لا يشعر، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لأن الله تعالى يقول: ((وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)) [الحجرات:[2]] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) [1] [12] ) ، فاستنبط رحمه الله من حكم الله عز وجل على من أساء الأدب في مجلس نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يَبْعُد أن يعامل بمثل ذلك؛ لأن العلم يعتبر في مقام النبوة، فمن أساء الأدب معه فقد انتهك حرمة تلك النبوة التي حواها صدره، كيف لا تتأدب مع العلماء وهم ورثة الأنبياء؟ كيف لا تتأدب معهم والله ائتمنهم على دينه وشرعه؟ كيف لا تخفض جناحك لهم وهم بمنزلة الوالدين، والله أمر بذلك في قوله تعالى: ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) [الإسراء:24] ، بل ذهب بعض العلماء رحمة الله عليهم إلى أن حق العالم آكد من حق الوالد؛ لأن النسب الديني أعلى من النسب الطيني (2) [1] 12] ) جزء من حديث أبي الدرداء المشهور (من سلك طريقاً ... ) ، وهو في المسند وسنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (67) . [2] 13] ) مسألة: هل حق العلم آكد من حق الوالد؟ أشار إليها بعض الفضلاء من علماء الشناقطة بأبياتٍ منها:
تهاونٌ بالعلماء تهاونٌ
بالله والرسول لا تهاونوا
معظّم للعلماء معظّمُ
لربهم للعلماء عظموا
هل المعلم كوالدٍ أَم
دون أم الشيخ عليه قدّم
فيه خلاف والذي أقولُ
فيه على ما تقتضي النقولُ
تقديم حق عالِم عليه
مع كونه لديه ما لديهِ
كلاهما عقوقه محذّرٌ
منه ومن عقوق كلٍّ فاحذروا
لكن عقوقُ الوالدين يُغفَرُ
بتوبةٍ والشيخ لا لا فاحذرُ
ورد عليه العلامة أحمد فال الشنقيطي في أبيات، منها:
وكون حق الشيخ من حق الأبِ
ألزمَ لم أجده في قول النبي
ولم يكن يظهر لي في الحُكْم
ولم أجده في الكتاب المحكم
وكون ذا أصل الحياة الباقيةْ
والأب أصلٌ في الحياة الفانية
ليس به الدليل إذ للوالدينْ
أصلٌ لذين في ارتضاع المحتدين (*)
وكونه عقوقه لا يغفرُ
فخرْقُ الإجماع فمنه استغفروا
(*) تثنية مُحتِد، وهو الأصل، قاله في القاموس.