العلماءُ العارفون به؛ لأنَّه كلَّما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفةُ به أتمَّ والعلمُ به أكملَ، كانت الخشيةُ له أعظمَ وأكثر"[1]. اهـ.
وقد جمع هذا المعنى أحدُ السلف في عبارة مختصرة فقال: "من كان بالله أعرف كان له أخوف"[2].
ولا ريب أنَّ معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في الكتاب والسنة تثمر في العبد أنواعاً كثيرةً من العبادة والطاعة وابتغاء الوسيلة إلى الله، وتقوي فيه جانب الخوف والمراقبة، وتعظم فيه الرجاء، وتزيد في إيمانه ويقينِه وثقتِه بربِّه سبحانه.
خامساً: أنَّ العلم به تعالى أصلُ الأشياء كلِّها، حتى إنَّ العارفَ به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنَّه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرةٌ بين العدل والفضل والحكمة، ولذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلاّ على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلُّها حقٌ وصدقٌ، وأوامره ونواهيه كلُّها عدلٌ وحكمةٌ؛ ولهذا فإنَّ العبدَ إذا تدبّر كتاب الله وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله، وما نزّه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه، وتدبّر أيامه وأفعاله في أوليائه وأعدائه التي قصَّها على عباده وأشهدهم إياها ليستدلوا بها على أنَّه إلهُهُم الحق [1] تفسير ابن كثير (6/530) . [2] وهو من قول أبي عبد الله الأنطاكي كما في الرسالة للقشيري (ص:141) .