responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 63
تَقَدَّمْت، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً تَأَخَّرْت.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ الْبَلْخِيُّ: مَا خَطَوْت مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خُطْوَةً لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقِيلَ لِدَاوُدَ الطَّائِيِّ: لَوْ تَنَحَّيْت مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ، فَقَالَ هَذِهِ خَطًّا لَا أَدْرِي كَيْفَ تُكْتَبُ. فَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ لَمَّا صَلَحَتْ قُلُوبُهُمْ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إرَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ صَلَحَتْ جَوَارِحُهُمْ فَلَمْ تَتَحَرَّكْ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا فِيهِ رِضَاهُ.

[مَطْلَب: الْقُلُوبُ ثَلَاثَةٌ]
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُلُوبَ ثَلَاثَةٌ:
قَلْبٌ خَالٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْخَيْرِ فَذَلِكَ قَلْبٌ مُظْلِمٌ قَدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ إلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ اتَّخَذَهُ بَيْتًا وَوَطَنًا وَتَحَكَّمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ غَايَةَ التَّمَكُّنِ.
الثَّانِي: قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَأَوْقَدَ فِيهِ مِصْبَاحَهُ، لَكِنْ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ وَعَوَاصِفُ الْأَهْوِيَةِ، فَلِلشَّيْطَانِ هُنَاكَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ، وَمُجَاوَلَاتٌ وَمَطَامِعُ، فَالْحَرْبُ دُوَلٌ وَسِجَالٌ.
وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ هَذَا الصِّنْفِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَتِهِ لِعَدُوِّهِ أَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَةِ عَدُوِّهِ لَهُ أَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَارَةً وَتَارَةً.
الثَّالِثُ: قَلْبٌ مَحْشُوٌّ بِالْإِيمَانِ، قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الْإِيمَانِ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الشَّهَوَاتِ، وَأَقْلَعَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلُمَاتُ، فَلِنُورِهِ فِي صَدْرِهِ إشْرَاقٌ، وَإِيقَادٌ لَوْ دَنَا مِنْهُ الْوَسْوَاسُ لَأَدْرَكَهُ الِاحْتِرَاقُ، فَهُوَ كَالسَّمَاءِ الْمَحْرُوسَةِ بِالنُّجُومِ، فَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ وَلَا هُجُومٌ، وَلَيْسَتْ السَّمَاءُ بِأَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّتِي حَرَسَهَا بِالنُّجُومِ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ.
فَكَمَا أَنَّ السَّمَاءَ مُتَعَبَّدُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ وَمُسْتَقَرُّ الْوَحْيِ السَّدِيدِ، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ مُسْتَقَرُّ التَّوْحِيدِ، وَالْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَجِيدِ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يُحْرَسَ وَيُحْفَظَ وَيُبْعَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَيُدْحَضَ، قَدْ امْتَلَأَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ.
فَأَيُّ شَيْطَانٍ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الْقَلْبِ، وَإِنْ أَرَادَ سَرِقَةَ شَيْءٍ مِنْهُ رَشَقَتْهُ الْحَرَسُ بِنَبْلِ الْيَقِينِ، وَسِهَامِ الدُّعَاءِ، وَمَنْجَنِيقِ الِالْتِجَاءِ، وَسُيُوفِ الْمَحَبَّةِ وَالْقُرْبِ، وَرُبَّمَا ظَفِرَ مِنْهُ بِخَطْفَةٍ يَخْطَفُهَا أَوْ شُبْهَةٍ يَقْذِفُهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْعَبْدِ وَغَيْرَةٍ فِيهِ فَيُشَبِّهُ لَهُ وَتَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْكَرَّةُ، لِأَنَّهُ بَشَرٌ، وَأَحْكَامُ الْبَشَرِيَّةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ.
فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ.

نام کتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست