فإن كان ثم محذور شرعي تعين تقديم الأمر الشرعي على كل عادة وعرف.
هذا وقد علم بالتتبع والاستقراء أن كل عرف خالف الشرع فإنه ناقص مختل، وهذه قاعدة مطردة لا تنتقض[1].
8ـ من المداراة أن تسعى لتطلاب حقك، أو إدراك حاجتك، فلا تقدر على ذلك بالغلبة والاستعلاء، فلتلجأ إلى الترفق، وحسن المداراة، والعرب تقول: "إذا لم تغلب فاخلب"[2].
9ـ المداراة يبتغى بها رضا الناس، وتأليفهم في حدود ما ينبغي أن يكون، فلا يبعدك عنها قضاء بالقسط، أو إلقاء للنصيحة في رفق.
10ـ المداراة ترجع إلى ذكاء الشخص وحكمته؛ فهو الذي يراعي في مقدارها وطريقتها ما ينبغي أن يكون؛ ذلك أن لأسباب العداوة مدخلا في تفاوت مقادير المداراة واختلاف طرقها.
فإذا ساغ لك أن تبالغ في مداراة من ينحرف عنك لخطأ في ظن يظنه بك، أو لعدم ارتياحه لنعمة يسوقها الله إليك ـ فلمداراة من يحارب الحق والفضيلة ـ إن صادفك، واقتضى الحال مداراته ـ حد قريب، ومسحة من التلطف خفيفة.
كما ينبغي أن تكون مداراتك لمن ترجو العود منه إلى الرشد، وتأنس من فطرته شيئا من الطيب ـ فوق مداراتك لمن شاب على عوج العقل، ولؤم الخلق، حتى انقطع أملك من أن يصير ذا عقل سليم، أو خلق كريم. [1] انظر: الرياض الناضرة، ص 284. [2] الأمثال لأبي عبيد، ص 156.