فقهية، أو أصولية، أو كلامية، أو كونية، أو غيرها. بل لقد رأينا لدى القاضيين آيات مذكورة بمناسبة مسائل، لا يتصل النص بها إلا من بعيد، وقد اعتبرت هذه المسائل ببساطة مناسبة لذكرها.
وعلى كل حال، فإن جميع المؤلفين، بما فيهم الغزالي، وقد جمعوا بطريقتهم الآيات القرآنية بترتيب السور -جعلوا من مختاراتهم مجرد جمع لمواد متفرقة، لا تربط بينها روح قرابة، ولا يظهر فيها أي تسلسل للأفكار. ولذلك، فعندما فقدت الوحدة الأولى لكل سورة لم يستطيعوا أن يكملوا عملهم بإيجاد وحدة منطقية، تربط بين الأجزاء المختارة، أو تصنيف منهجي تقتضيه قاعدة التعليم.
وقد وجدنا هذا النظام المنطقي لدى بعض العلماء الشيعة، من مثل: الشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي "المتوفى عام 993هـ"، في كتابه: "درة البيان في آيات الأحكام"[1]، ومن مثل الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي "المتوفى عام 1150هـ" في كتابه: "قلائد الدرر في بيان أحكام الآيات بالأثر"[2]، غير أن هذين الكتابين[3] اللذين يمكن أن يعدا فهرسًا [1] أحمد بن محمد الأردبيلي, فاضل من فقهاء الإمامية وزهادهم، نسبته إلى أردبيل بآذربيجان، ووفاته بكربلاء، ومن كتبه: "مجمع الفوائد والبرهان في إرشاد الأذهان" و"زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن". وهو ما نقل المؤلف عنوانه مختلفًا ومختصرًا. "المعرب". [2] أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي، فاضل إمامي، أصله من جزائر خوزستان، واشتهر في النجف، وتوفي فيه، ومن كتبه: "قلائد الدرر في بيان أحكام الآيات بالأثر". "المعرب". [3] الكتابان مطبوعان في فارس، وقد رتبت موضوعاتهما تبعًا للنظام المعتاد لكتب الفقه، وتوجد منهما نسخة لدى صديقنا وزميلنا القاضي الشيخ أحمد محمد شاكر, بالقاهرة.
مقدمة
...
تقديم الكتاب:
للأستاذ الدكتور السيد محمد بدوي
عشت مع هذه الرسالة الجامعية مرتين: مرة أثناء تأليفها, ومرة أثناء ترجمتها.
أما عن تأليفها, فقد كان ذلك في أوائل الأربعينات, وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت تشتد وطأتها في أوروبا بعد هزيمة فرنسا وصحوة الحلفاء لوقف طغيان النازي. وكنت مع الطلبة العرب في باريس نلتمس في رحاب الأستاذ الجليل ما نحتاج إليه من رعاية في وقت الشدة, وكان هو يجمعنا في منزله في المناسبات الدينية والقومية ليشعرنا بما افتقدناه من جو عائلي بسبب بعدنا عن الأوطان. وكنا نجد عنده كرم الضيافة العربية, ونستمتع بأحاديثه ومناقشاته في شئون الدين والعلم والسياسة. وكان رحمه الله لا يضيق بما نثيره من آراء متطرفة أحيانًا, بل يفندها بروح العالم المستنير, وفي سماحة ورحابة صدر, ولا يزال بنا حتى يقنعنا بوجهة نظره المستندة إلى البرهان العلمي والمنطقي.
ثم حظيت بشرف مصاهرته, فازدادت صلتي به وثوقًا, ولمست عن