الأخلاق العملية
مدخل
...
الأخلاق العملية:
حاولنا في كل ما سبق أن نحدد المفهوم القرآني للحاسة الأخلاقية. فما مصدر الواجب؟ وما أهميته؟ وما هدفه؟ وما مصيره؟
لقد استطعنا أن نجد لكل علامات الاستفهام هذه إجابة في النص محددة بدرجة كافية لإثبات تعريفها. فإذا نظرنا إلى النظرية الأخلاقية للقرآن في مجموعها لأمكن وصفها بأنها "تركيب لتراكيب"، فهي لا تلبي فقط كل المطالب الشرعية، والأخلاقية، والاجتماعية، والدينية، ولكن نجدها، في كل خطوة، وقد تغلغل فيها بعمق روح التوفيق بين شتى النزعات, فهي متحررة ونظامية، عقلية وصوفية، لينة وصلبة، واقعية ومثالية، محافظة وتقدمية -كل ذلك في آن.
ولا ينبغي أن نرى في هذه الوحدة بين المختلفات مجرد رصف للمتناقضات، و"إضافة للمضافات"؛ لأنها في هذا التركيب لا تقوم فقط على تقدير الجرعة المناسبة، والتدرج، والتوازن، والانسجام. وهي ليست فقط كمالًا في الجهد المعقول يخدم النزعة الأخلاقية في مختلف علاقاتها، بل إن هنالك ما هو أكثر، وأفضل: إنها بناء عضوي حقيقي تتعاون فيه كل العناصر، وتتساند كل الوظائف، ولقد استطعنا أن نشهد كيف يمتزج المثالي بالواقع العملي الصلد[1]، وصرامة الإطار تسير مع المرونة في المضمون جنبًا إلى [1] انظر في الفصل الثاني: التحليل العام لفكرة المسئولية ص136.