بل وأكثر من ذلك، فإن هذه الشريعة -بعد أن وضعت لكل فضيلة مقياسها النوعي- قد دبرت إحكام مجموع الفضائل بالقاعدة العامة التي تأمرنا بالتوفيق بين واجباتنا، بعضها وبعض.
وأخيرًا، فإن الاعتدال الذي يمدحه الإسلام، فيما يتعلق بدرجة الجهد، لا يتمثل في "الوسط الحسابي"، ولا في "نقطة الذروة" وهما القولان اللذان يتردد بينهما الفكر الأرسطي، وإنما يتمثل الاعتدال في نبل يقترب بقدر الإمكان من الكمال، مقرونًا بالسرور، وبالأمل، وهو ما يعبر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في توجيهاته إلى الرفق، ونحو ما هو عدل في ذاته: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا, وقاربوا، وأبشروا" [1]. [1] البخاري, كتاب الإيمان, باب 29.