الجهد البدني مدخل
...
2- الجهد البدني:
لنذكر أولًا أنه إذا كانت هنالك أخلاق ترى في الألم النازل بأجسادنا، من حيث هو، قيمة جديرة بأن تطلب لذاتها، أو باعتبارها نظامًا لنجاة النفس -فإن هذه ليست أخلاق القرآن، على وجه التأكيد. ذلك أن هذه الأخلاق لا ترى أن يبحث الإنسان عن الألم البدني صراحة، فضلًا عن أن تأمر به فهي قد فرقت تفرقة واضحة بين الجهد البدني الذي يتضمنه واجب مقرر، أو الذي يصحبه من وجه طبيعي, وبين جهد مندوب، هو إبداع خالص لهوى أنفسنا.
إنها ترفض هذا النوع الأخير من الجهد، وتحرمه. ولعلنا نعرف خبر أولئك النفر من المؤمنين الذين اعتقدوا أن قيامهم بواجب العبادة المشكور يقتضي أن يفرضوا على أنفسهم ضروبًا مختلفة من الحرمان والتقشف، وهو أمر أشار إليه القرآن، دامغًا إياه بالإفراط والمخالفة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} 1.
وقد روت السُّنة تفاصيل هذا الموقف فيما روي عن أنس أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر، فقال بعضهم:
المائدة: 87-88.