يصدرون من قرارات خيرة، وهو انبعاث ذو درجات لا تحصى، تصعد إلى أعلى درجة، وتهبط إلى أدناها، بحيث إن هذه القرارات لا تجد ما يقاومها حسيًّا من النزعات المضادة.
ولا يقتصر الأمر على حالة اتخاذ قرار عادي أو تافه فحسب، بل حتى في حالة اتخاذ قرار عظيم الخطر، نجد أن هذه العزيمة التي لا يحصل عليها الرجل العادي إلا بمجهود شاقّ، تتحقق لدى هؤلاء الأشخاص بطريقة أكثر يسرًا وطواعية.
وهذه الحالة الشبه تلقائية يمكن أن تحدث بطريقتين: فإما أن تكون منحة، بفضل استعداد فطري، وإما أن تكون "ثمرة جهد"، بعد فترة تتفاوت في طولها وفيما تخللها من معاناة.
ففي الحالة الأولى، حين تكبت الأهواء إلى مستوى لا يكاد يدركه الشعور، وتحتل فكرة الخير في النفس مكانًا سَنِيًّا، يصبح العمل الصالح موضوع حب ومتعة. وهذه الحال العلوية التي تستهدفها الحاسة الأخلاقية هي حال كبار الصالحين، التي فطرهم الخالق عليها، وبخاصة الرسل، الذين اصطفاهم الله منذ البدء، لتبليغ الرسالة الإلهية، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [1].
وفي الحالة الثانية لا تمضي الأمور هكذا إلا إلى حد معين، وبفضل كفاح شخصي متجدد غالبًا. وليس قانونًا فقط أن نقول: إن استخدام ملكة ما في اتجاه معين يغذي بنفس القدر هذه الملكة المستخدمة، ولكن الله سبحانه يتدخل بمعونة إيجابية لهداية من يبحث عن الطريق الصحيح، بحثًا جادًّا، والقرآن الكريم يعلن: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، [1] الأنعام: 124.