فإذا قارنا هذه الصفات الفطرية بتلك التي تكتسب بالعمل فهل فعلنا سوى أن قابلنا الصلب بالهش، والدائم بالمؤقت؟
من ذا الذي يتردد في أن يقول: أين يضع ثقته؟
إننا لو خيرنا بين فنانين، أحدهما يؤدي حركاته برشاقة وتلقائية، والآخر لا يستطيع أن يؤدي نفس الحركة إلا بعناء وعرق متصبب، فمن الواضح أن نميز التفوق عن التوسط، ونفضل دائمًا المطبوع على المصنوع.
بيد أننا من ناحية أخرى ننظر إلى القولة المشهورة: "لكل بحسب أعماله" لا على أنها عادلة فحسب، بل على أنها هي العدالة ذاتها بحدها. وإذن، فمن ذا الذي لا يرى أن الصفات الفطرية التي منحتناها الطبيعة ليست من عملنا؟
أليس من واجبنا -إذا قسنا الأمور بهذا المقياس- أن نحتفظ للجهد بكل القيمة، وأن نستبعد من حساب القيمة كل ما كان تلقائيًّا؟
ثم ... أفلا يترتب على هذا المنطق أن تحتل نفس القديس حينئذ أدنى الدرجات في سلم الجزاء؟ من الذي يسلم بقبول ذلك؟
هل يجب أن ننحاز إلى جانب، في مواجهة هذا التناقض؟ أم أن نبحث عن حل وسط؟
والحق أن الفضيلة في أية مرحلة من مراحل الحياة الأخلاقية ليست ثمرة خالصة من ثمرات الطبيعة المحضة، كما أنها ليست نتيجة الاكتساب المطلق؛ ذلك أن أسوأ الناس، وأكثرهم شرًّا، لا يخلو أن تكون في نفسه بذرة طيبة يستطيع استخدامها في صراعه ضد خلقه الخبيث، كما أن أطهر الأنفس لا تستغني مطلقًا عن بعد الجهد، كيما ترتقي في مراتب الجزاء.
ولقد أثبتت اللغة الفرنسية هذا المقياس المزدوج للقيمة، حين أطلقت كلمة