لا يقتصر على أن يجعل من طهارة القلب شرطًا للسلام والسعادة الأبدية فحسب، ولكن عنوانًا ذا قيمة للاكتساب، والاجتهاد الذي لا يفتأ يستثير جهدنا إليه، واقرأ إن شئت قوله تعالى تعبيرًا عن المعنى الأول: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [1]، وقوله: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [2] -ثم اقرأ عن المعنى الثاني قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [3]، وقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [4]، وقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [5].
وإذن، أليس من الواجب أن نجعل من هذا النوع من الخير الشخصي استثناء من القاعدة العامة؟
ومع ذلك، فعلى الرغم من كل الاعتبارات التي تنتصر لمصلحة هذا الاستنتاج -فإنا نعتقد أن في مبدأ "الكمال" غموضًا، ومن ثم، عجزًا عن أن يكون في ذاته، وبمفرده، الباعث الأخلاقي الأسمى.
والواقع أنه يحدث غالبًا أن ننشد الكمال في صفاتنا العليا، العقلية والأخلاقية، لا ننشدها لذاتها، بل لكي نحصل بكمالها على شيء من المرونة، وسرعة العمل، وعلى كفاءة أحسن، دون أن نتطلب من أجل هذا أن تخضع ممارستها لقاعدة الواجب خضوعًا دقيقًا، وفي هذه الحالة لا يعتبر. [1] الشعراء: 89. [2] ق: 33. [3] التوبة: 103. [4] الأحزاب: 33. [5] الأحزاب: 53.