والواقع أنه لا يكفي أن نلفت النظر إلى أن اللفظ العربي: "الإسلام" يعني: "الانقياد"، أي: الخضوع للإرادة الإلهية، كما يعني في الوقت نفسه: "الإخلاص"، وهو استبعاد أي سلطان آخر على الإرادة الإنسانية.
ولا يكفي كذلك أن نقول: كم يؤكد القرآن ضرورة أن يستلهم كل فرد في أعماله النية النقية؟ لأنه يجب أيضًا أن نبين فيم يتمثل هذا النقاء؟ ومتى يتسنى لمزيج من الدواعي والبواعث أن يقوض أركانه، ويزيل بنيانه؟
دور النية في المباشرة وطبيعتها
...
أ- دور النية غير المباشرة، وطبيعتها:
بيد أننا قبل أن ندخل في هذه التفاصيل ينبغي أن نقول ابتداء: إلى أي مدى تقاس قيمة عمل ما -في الإسلام- بأهدافه البعيدة؟ ونكتفي الآن بقولة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلخص بمضمونها الكثيف، ويعمم بامتدادها إلى ما لا نهاية -ما لا يحصى من النصوص القرآنية وغيرها، مما سوف نرى منه غير قليل من النماذج خلال دراستنا، وذلكم قوله, عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" [1]. وهذه القولة -التي استخدمناها من قبل لإثبات النية المباشرة، كشرط صحة، أعني: شرط وجود أخلاقي- يمكن أن تساعدنا أيضًا في أن نتناول النية بصورة أعمق، باعتبارها معيارًا للقيمة، وشرطًا أخيرًا للثواب والعقاب.
هذا الاستخدام المزدوج للنص، والذي جرى عليه من قبل جميع المفسرين -يجد تسويغه أولًا في اشتقاق الكلمة العربية: نية "= intention ". فهذا اللفظ في الواقع مشتق من جذرين امتزجا معًا بصورة ما:
أولهما: ناء بالحمل، أي: نهض به. [1] انظر: البخاري, الحديث الأول.