خاتمة:
فتلك إذن أرقام تتحدث ببلاغة أكثر من أي تعليل نظري. وأخطر الاعتراضات التي تثار غالبًا ضد الأخلاق الدينية بعامة ينحصر في القول بأنها تضرب صفحًا عن الضمير، فرديًّا كان أو جماعيًّا، وأنها تستمد كل قوتها، وكل سلطانها من إرادة علوية، خارجة عن طبيعة الأشياء، وأنها تفرض نفسها بخاصة عن طريق الترغيب في الثواب، والخوف من العقاب الذي قررته تلك الإرادة العليا[1].
ونحن ندرك الآن أن هذا النقص -في أية حالة من حالاته- لا يمس الأخلاق الإسلامية، فالقرآن -كما رأينا- يعلن أن النفس الإنسانية مستودع قانون أخلاقي فطري، نفخ فيها منذ الخلق، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر كلًّا منا أن يستفتي قلبه، كيما يعرف ما يأخذ وما يدع.
بل إن أكثر المذاهب الإسلامية محافظة تتفق على أن تسلم للعقل الإنساني بمجال خاص في التقدير والتشريع، حين يكون تحديد الخير والشر مرجعه العقل، سواء أكان كمالًا أم نقصًا، وسواء أكان موافقًا أم مخالفًا للفطرة. [1] انظر: Boutteville, La Morale de l'eglise, et la morale naturelle, p. 445.