وحينئذ يكون معنى أن يستنصح المرء عقله: أنه يقرأ في كتاب فطرته النقية، والإنسانية بصفة نوعية -ما سبق أن فطرها الله عليه.
وبعبارة أخرى: عندما يرجع أشد الناس إلحادًا إلى سلطة العقل فإنه لا يفعل في الواقع سوى الإنصات إلى ذلكم الصوت الإلهي، الذي يتكلم في داخل كل منا، دون أن يذكر اسمه، وهو ينطق به صراحة عندما يتحدث إلى المؤمن.
ولكن، إذا كان النوران: الفطري والموحى -ينبثقان من مصدر واحد فحسب، فيجب أن نخرج أخيرًا بأن الله سبحانه هو الذي يرشدنا دائمًا إلى واجبنا، ما ظهر منه وما بطن.
وهكذا نصل إلى علاج الإلزام الأخلاقي في الإسلام، في صورته، كقانون إيجابي loi positive.
وينبغي علينا في مواجهتنا لهذا المجال الجديد أن نسأل أنفسنا عما إذا كان للشريعة الإسلامية مصدر واحد، أو عدّة مصادر؟ ذلك لأن الفقهاء قد حددوا لها بعامة أربعة مصادر، هي: القرآن، أو "كلمة الله"، والسنة، أو "ما نقل عن الرسول"، والإجماع، أو "الحكم المجتمع عليه في الأمة", وأخيرًا: القياس أو "الحكم بطريق التناظر".
وإذا كان التحليل الذي قدمنا صحيحًا -باستثناء بعض التحديدات التي يجب أن نضيفها إلى هذا القول- فلا ينبغي أن يكون لدينا سوى سلطة تشريعية واحدة، بالمعنى الصحيح. والقرآن ذاته لا يفتأ يؤكد لنا هذه الفكرة في كثير من آياته، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [1]، و {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} [2]، و {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [3]. [1] الأنعام: 57، ويوسف: 40. [2] الأنعام: 62. [3] الرعد: 41.