الجهينية فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله؟ " [1].
وإذن فليس لنا أن نلوم الشرع، بل إنه الفرد، في نهاية الأمر، الذي ربما يعد قاسيًا، أو متهاونًا في حق نفسه.
فإذا ما نحينا جانبًا تلك الجرائم والجنايات التي أتينا على ذكرها فإن ما تبقى من مخالفات للقانون الأخلاقي، أو القانون الاجتماعي يستوجب عقوبة تأديبية متنوعة، ولكن الشريعة الإسلامية لم تقدم لهذه العقوبات التأديبية جدولًا يختلف باختلافها، ولم تحرص على تقديمه.
ولا ريب أن عقوبتي الموت والقطع -من حيث الشعور العام- مستبعدتان من الجزاء التأديبي، فالأولى خاصة بالقتلة، والزناة، والثانية خاصة بالسرقة وقطاع الطرق، بيد أنه فيما خلا هذا التحديد السلبي ليس هناك أي تحديد إيجابي للإجراء الذي يتخذ بالنسبة إلى كل حالة نوعية ولا بالنسبة إلى كل حالة خاصة.
فعلى حين أنه بالنسبة إلى الجزاء المحدد "أو إقامة الحدود" تكون مهمة العدالة محددة تحديدًا دقيقًا، بإثبات الوقائع، التي متى اتضحت تستدعي بصورة ما -عقوباتها تلقائيًّا، فإن اهتمام المحكمة هنا يتجه بعد ذلك إلى مرحلة ثانية ليست بأقل أهمية: هي اختيار العقوبة التي ينبغي تطبيقها، وفي هذا الاختيار سوف يتحرك ذكاء القاضي وفطنته -في الظاهر- حركة بالغة الحرية، ولكن هذه الحرية في الواقع ليست سوى مرادف للمسئولية الثقيلة. إذ لما كان هنالك اعتبارات مختلفة تجب مراعاتها، وكان على عنصر النسبية أن يتدخل فإن القاضي سوي يؤدي هنا دور الطبيب المعالج تمامًا، فكما أن الطبيب يجب أن يرعى مزاج المريض، والخصائص النفسية الكيمائية [1] المرجع السابق.