على هذه الحمية الجريئة التي نقدر على إتيانها رغم كل شيء، مضحين بمسراتنا، وكذلك عندما يخضع المرء لإكراه خارجي، أو لضرورة حيوية، فإنه يفعل ذلك بحرية، وهو يوازن بين الأدلة والبواعث المتناقضة، ثم يختار ما يبدو له أكثر تناسبًا، وعلى أساس من هذا الاختيار يكون حسابه، أحسن أو أساء.
وأخيرًا، فإن المبدأ القرآني للمسئولية هو مبدأ فردي، يستبعد كل مسئولية موروثة، أو جماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
هذه المبادئ التي تتبعناها على وجه الدقة، والتي استخرجنا منها أدق النتائج في الميدان الأخلاقي، والديني, قد ورد عليها -ولا ريب- استثناءات، في الميدان الفقهي، ومع ذلك لم نغفل كثيرًا من مسائلها الجوهرية. ويبقى العمل الإرادي للفرد الإنساني المزود بالعقل، الموضوع الدائم والوحيد للمسئولية، وتبقى أيضًا نية فعل الشر شرطًا ضروريًّا للعقاب.
وعندما حدثت للمرة الوحيدة "في المسئولية المدنية" مخالفة لهذه القاعدة الأخيرة، كيما ترضى مطالب أخرى ليست بأقل شرعية -لم نقعد عن إلحاقها بمخالفة أخرى من شأنها تخفيف آثار الأولى. بحيث إن الشارع الإسلامي -بعيدًا عن المجال الأخلاقي المحض، ومع تغليب المصالح العاجلة- لم يتجاهل المبادئ الأساسية للتجريم الحقيقي.