هذا المسكين لا يفلت فقط من كل أنواع القود، بل إن التعويضات التي تقتضيها منه الضحايا لا يتحمل هو منها سوى جزء جد ضئيل؛ لأن هذه التعويضات سوف توزع -في الواقع- على مجموعة كبيرة من الناس، البالغين الأسوياء[1]، الذين يرتبطون معه عادة برباط من التعاون الطبيعي، أو الاتفاقي، والذين يشترك معهم كواحد منهم. فإذا عدمت هذه المجموعة التي تؤمن له راحة حقيقية من هذا الثقل، وجب على الدولة أن تفي بدلًا منه بهذه التعويضات.
ولقد نظن، من أول وهلة، أننا نشهد في هذا النوع من المسئولية مخالفات متكدسة، لكنا لو تأملناها من قريب للمحنا أن الجانب الجماعي لا يتدخل هنا إلا لكي يقلل إلى أدنى حد مساوئ موضوعية واقعية، ولو كان ذلك بتحديدها أو تخفيفها.
إن الطبيعة المركبة للعمل الخاطئ غير المتعمد تضعه -كما رأينا- وسطًا بين حالتين متطرفتين, هما: العمل المقصود، والحادث الذي يقع بطريق الصدفة المحضة، فإذا كان يشبه كلًّا منهما من جانب، فإنه يختلف عنه من جانب آخر. وإذن، فهو لا يحمل على جانب واحد أو آخر، ولا يمكن أن يعامل بنفس الطريقة، ونتيجة لهذا لا يصح أن يظفر بلا مسئولية كاملة، ولا أن يكون موضوع مسئولية كلية. فواقع الأمر أن النية السيئة معدومة، ومن العدالة أن يعفى من العقوبة. ومع ذلك، فإن وجود خطأ معين يميزه كثيرًا عن الحادث الاتفاقي "الذي وقع عرضًا وبطريق الصدفة"، "حيث لا مجال في الواقع إلا لمؤاخذة الطبيعة"، وهو ما يؤكد ضرورة نوع من الإصلاح الإنساني.
ولكن، ممن نقتضي هذا الإصلاح؟ أنفرضه كليًّا على الفرد؟ [1] يطلق الفقهاء على من يتحمل الدية في هذه الحال اسم "العاقلة". "المعرب".