الحيوانات، وتتلف حقول الجيران، وهي حالة معروفة كذلك في تاريخ ما قبل الإسلام، وأشار إليها القرآن في قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [1].
أما مذهب الظاهرية، فيرى أن المسئولية التي تقع على عاتق الإنسان في حالة كهذه -هي ذات طابع أخلاقي- على وجه الخصوص، فهي تنحصر أولًا في تربية من لا عقل له، وترويضه، ثم في إجراءات للحماية، ذات فاعلية أكثر، بحيث تمنع عودة الأحداث المسببة للضرر[2].
فهذه المدرسة تستبعد بصورة منهجية كل مسئولية قانونية غير مباشرة، سواء أكانت ناشئة عن فعل تلقائي، لكائنات غير مسئولة، "كالأطفال، والمجانين، والحيوانات"، ما دمنا لم نحرضهم على القيام به أم عن فعل الغير، حتى لو كنا رغبنا إليه أن يفعله، دون أن نكرهه عليه.
ومهما تكن نتيجة هذا النقاش الثانوي، فإنه يكفي -لكي نكشف عن عنصر موضوعي في المسئولية المدنية، في الشريعة الإسلامية- أن نلاحظ أن [1] الأنبياء: 78-79. [2] عولجت هذه المسألة في المحلى في موضعين، أحدهما: عند الحديث عن القتل الخطأ، والضمان في الجزء العاشر 416 وما بعدها، والآخر: في الجزء الحادي عشر 7 و8 قال ابن حزم: "والقول عندنا في هذا أن الحيوان، أي حيوان كان، إذا أضر في إفساد الزرع أو الثمار فإن صاحبه يؤدب بالسوط، ويسجن إن أهمله، فإن ثقفه فقد أدى ما عليه، وإن عاد إلى إهماله بيع عليه ولا بد، أو ذبح وبيع لحمه، أي: ذلك كان أعود عليه، أنفذ عليه ذلك". فقد شملت الإجراءات، على هذا النحو الأطراف الثلاثة: الإنسان الذي وقع به الضرر، والآخر مالك الحيوان، والحيوان أخيرًا، ومع ذلك فقد روعي جانب مالك الحيوان من حيث توفير أقصى النفع عند اتخاذ إجراءات التأديب والحماية، بعيدًا عن روح الانتقام. "المعرب".