بيد أن البون بين الجانب الأخلاقي، والجانب القانوني -يصبح شاسعًا، بمجرد انتقالنا من المسئولية العقابية إلى المسئولية المدنية.
ولا شك أن ذلك غير ناشئ عن أن الطابع الشخصي قد اختفى تمامًا، ولا عن أن النشاط الإرادي لم يعد شرطًا ضروريًّا في المسئولية، ليس هذا مطلقًا هو الموقف في الشريعة الإسلامية، ولا ينبغي أن يعترض علينا بمثال المغتصب الذي يستحل شيئًا لا يخصه ويستخدمه مخالفًا بذلك القانون، ثم يعتبر مسئولًا عن كل ما يحدث لهذا الشيء، حتى لو كان طارئًا، ووقع بمحض الصدفة. ذلك أن عمله الأولي -ما دام قد اتسم بسمة العدوان وسوء النية. فمن العادي جدًّا أن تكون جميع نتائجه الطبيعية داخلة فيه.
ولكن إذا ما نحينا هذه الحالة جانبًا، فإن كل مسئولية مباشرة تتطلب من جهة صاحبها تدخلًا إراديًّا معينًا فيما يسبب من ضرر. ولا فرق حتى الآن بين شروط المسئولية الإصلاحية المدنية، وشروط المسئولية الجزائية العقابية، فالحادثة التي تقع بواسطتنا، ولكن مستقلة عن إرادتنا، وبموجب قوة قاهرة "في مثل ما قد يحدث من تصادم سفينتين بسبب الريح، أو سقوط لاعب حتمه انقطاع الحبل الذي كان يمسك به مع رفيقه" -مثل هذه الحادثة لا يمكن أن تنشئ ضدنا أي إجراء تأديبي أو تعويضي، وحدث من هذا النوع يصبح هدرًا[1].
وهكذا نجد أن الخلط الذي أشار إليه فوكونيه fauconnet في الشرائع الإغريقية والرومانية والعبرية ... إلخ, بين الحالة العارضة، وحالة الخطأ بحسن نية -هذا الخلط لا موضع له في الشريعة الإسلامية، بل الأمر، على ما ذكرنا آنفًا, هو أن العمل الإرادي، ليس من الضروري أن يكون مقصودًا. [1] انظر: الأمير, المجموع جـ2 ص358.