ثلاثة عشر قرنًا، ولم يتحرك قيد أنملة منذ إقراره، فقد قال مؤسس الإسلام, صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر" [1]، أي: إن الأطفال ليسوا مطلقًا مسئولين حتى يبلغوا سن الزواج، وكذلك المجانين حتى يستردوا عقولهم، فمن باب أولى الحيوانات التي قال فيها رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "العجماء جُبارٌ" [2]. بل إن المدرسة الظاهرية لتمضي إلى ما هو أبعد من ذلك في تفسير هذه النصوص، فهي تتجه لا إلى تخليص هذه الكائنات من العقوبة المؤلمة فحسب، ولكن أيضًا إلى إعفاء مالك الحيوان من كل غرم على سبيل الجزاء، وكذلك من يحملون هم الأطفال، والمعتوهين[3].
ومن ناحية أخرى، نجد أن تعميم صيغة فوكونيه الثانية -على الرغم من كل القيود التي أوردها- يبدو منهارًا أمام الشرع القرآني؛ لأن القرآن حين يأمر بالدية والكفارة في حالة القتل الخطأ -إنما يحمي القاتل الذي لا إرادة له من أية عقوبة بدنية.
وبصرف النظر عن القانون الروماني، الذي يبدو أن تطوره قد تحقق في هذا الاتجاه، ألم يكن من الواجب على الأقل أن يستثني المؤلف ذلك النظام الإسلامي الذي استبعد بضربة واحدة، وبدون تردد أو تحرج، جميع الضلالات المذكورة حول المسئولية العقابية؟
إن صياغة هذا التحفظ حول نتيجتي فوكونيه، المعممتين -معناه في نفس الوقت أننا نعترف للشريعة الإسلامية بصفتها الثورية، التي لا تدع نفسها للتفسير الطبيعي بوساطة السوابق التاريخية، اللهم إلا إذا افترضنا بلا داع [1] سبق ذكرنا لهذا الحديث. [2] انظر البخاري, كتاب المساقاة, باب 4، وكتاب الديات, باب 28. وفي صحيح مسلم, كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية: "العجماء جرحها جُبارٌ". [3] انظر ص191.