ولنفترض أن إنسانًا ما جعل موقفه في الحياة أن يبلغ درجة من الكمال لم يبلغها أحد دونه. فليس التعميم وحده هو الذي يهدم هذه الفكرة، بل إن أقل قدر من التوسع فيها يهدمها تمامًا، إذ إن التفوق لن يصبح تفوقًا. فهل من العقل أن نصف هذه الغاية بأنها شر من الناحية الأخلاقية؟
وإليك مثلًا آخر: التبتل عن الزواج ... ولنترك جيلًا إنسانيًّا واحدًا يفرض على نفسه إلزامًا بهذا التبتل ... إن آخر حي من هذا الجيل سوف يشهد حتمًا نهاية الإنسانية، فهل يمكن أن نصف بالإجرام موقف هذا المتبتل، وهو موقف مدحته المسيحية كثيرًا؟
وما رأي "كانت" نفسه في هذا؟
هكذا تبطل المقابلة بين العام والأخلاقي، في وجهها المزدوج، الإيجابي والسلبي، وليس يغض من صدق هذا القول أن هناك علاقة ضرورية بين المُلْزِم والعام، وهي علاقة من طرف واحد، سوف نتولى بعد قليل بيان معناها وأهميتها.
المرحلة الثانية:
بيد أن "كانت" لا يقتصر على تقرير عمومية واجباتنا، كواقع حسي، وتجريبي، واحتمالي. وهو لا يكتفي كذلك بنصف تجريد، يجعل من العقل الإنساني قوة للقانون العام ... إنه يمضي إلى أبعد من ذلك كثيرًا ليصل إلى الجوهر الحقيقي للعقل العملي في ذاته، وهو يقدم لنا القانون الأساسي لهذا العقل المحض، على أنه مطلب لا غنى عنه، ليس لقاعدة أو أخرى "محددة للقيام بأعمال معينة"[1] فحسب، بل لتشريع شامل عمومًا. ويؤكد لنا. [1] kant: fondement. P. 103.