أمشروع من هذا القبيل يمكن أن يتحقق فعلًا؟ وهل أساس هذا البناء ذاته متين بحيث يدعمه؟ إليك من وجهة النظر التي تهمنا تخطيطًا للفكر الكانتي، ويمكن القول إجمالًا بأنه يتكون في ثلاث مراحل:
أ- إثبات حدث أولي.
ب- تحليل يسمح بالارتقاء إلى أعلى درجات العمومية.
جـ- هبوط مرة أخرى لوضع القواعد الأساسية للأخلاق الإنسانية.
أ- إن نقطة البداية في النظرية الكانتية تنحصر في هذا الواقع المحسوس، الذي يقدمه الضمير مباشرة، أعني أننا في أحكامنا الأخلاقية لا نزن الأعمال مطلقًا بالقياس إلى نتائجها الطيبة، أو السيئة، ولكنا نزنها بالقياس إلى قاعدة عامة صالحة للتطبيق على جميع الأفراد، ومستقلة عن جميع النتائج، وتلك حقيقة لا مجال للطعن فيها.
فنحن -بدلًا من أن نجعل البحث عن اللذة، والهروب من الألم مبدأ للتقدير الأخلاقي- نستحسن الأعمال الفاضلة بقدر ما تشق علينا. ونحن نعجب إلى أقصى حد بالنفوس القوية التي تعرف كيف تقاوم كل ضروب الإغراء، وتتخطى جميع العقبات. ونحن -قبل أن نمنح أنفسنا الحق في إخضاع قاعدة سلوكنا الخاص لأحوالنا الشخصية- نعرف أن من واجبنا أن نقيسها على القاعدة التي نتطلبها من الآخرين: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم"[1]، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ [1] إنجيل متى, القسم, الإصحاح السابع 12.