عباد الله: إن الشهادة بالحق لا يؤديها إلا نفوس عالية متنزهة عن أن تريد بها الدنيا وحطامها الفاني نفوس متطلعة إلى الفردوس إلى الرحيق المختوم الذي ختامه مسك فاستسيغوا رحمكم الله في أدائها كل مرارة واستسهلوا كل صعب سواء كان سيرًا إلى المحاكم أو انتظارًا، أو كان في ذلك إغضاب لأحد ففي تأخركم عن أداء شهادة بحق تعلمونه إثم كبير والله يقول: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وإن القلب يا عباد الله مصدر الفساد والصلاح فإذا أثم القلب فماذا يبقى بعد ذلك فلا تكتموها ففي كتمانها شر على بني الإنسانية الذين أمرتم بجلب الخير لهم ودفع الشر عنهم.
عباد الله: إذا كان كتم الشهادة فيه ضرر على البشرية واختلال لنظامها فهناك ما هو أشد منه إثمًا وأكبر خطرًا وما أدراكم ما هو، هو الجريمة العظمى والطامة الكبرى شهادة الزور التي كادت تعدل الإشراك بالله، شهادة الزور التي تهددنا في أموالنا ودمائنا وأمننا تلك التي أخربت بيوتًا عامرة وأزهقت أرواحًا بريئة وأهدرت حقوقًا واضحة فما فشت في أمة إلا وسادت فيها الفوضى وتحكمت فيها الأهواء لذا وغيره من أضراره الخطرة حذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها بقوله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس "، يقول الراوي: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئًا فجلس ثم قال: " ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور "، ومازال يكررها حتى قلنا ليته سكت» . فحذار معشر المسلمين من شهادة الزور وقوله فإن فيها إساءة على قضاة المسلمين بتلبيس الحق عليهم فيها إساءة إلى المشهود له