ومهمة الداعين إلى الله بما لها من خطر تستلزم طاقة فياضة من الرحمة وسعة الصدر ولين الجانب، ومن ثم فقد امتاز سيد الدعاة إلى الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه بقلب يفيض بالرحمة، وينبض بالحنان، وحب الخير للعالمين، فقد كان يعامل بالرحمة الصغير والكبير والمؤمن والمشرك، وإن سيرته العطرة لتحمل من حسن خلقه وطيب معاملته ورقة عاطفته الشيء الكثير.
فقد «روي أن أعرابيًا جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد احمل لي على بعيري من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا من مال أبيك، وجذب الرسول من ثيابه جذبة أثرت في عنقه الشريف، فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المال مال الله، وأنا عبده، ولكن يقاد منك يا أعرابي "، فقال الرجل: إنك لا تفعل، قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لماذا "؟ فقال: لأنك لا تجزي السيئة بالسيئة، ولكنك تجزي السيئة بالحسنة، فعفا عنه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر له بما يحتاج إليه» .
ولقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرحم الصغار ويحنو عليهم، ويداعبهم ويقربهم، روى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: «سماني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوسف، وأقعدني في حِجْره، ومسح على رأسي» . . وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أعدائه ومعانديه جميل الصبر واسع الصدر، يتحمل أذاهم ويرجو صلاحهم ولو دعا عليهم لأفناهم من الوجود ولكن إذا اشتدوا في عداوته والكيد لدعوته، لم يزد على أن يقول: " اللهم اهد قومي فإنهم لا